مقالات

د . محمد عبد الحميد عطية يكتب .. الشابو . . السم الأبيض الذي يفتك بأبناء مصر

كارثة تقتل الأحلام وتدمر الحياة  الشابو السم الأبيض الذي يفتك بأبناء مصر:عطية في قلب شوارع مصر، وتحت ركام الوعود المفقودة، ظهر عدو خفي قاتل يفتك بالشباب دون رحمة، يُدعى “الشابو” أو “الآيس”. مخدر لا يشبه أي مخدر عرفه المصريون من قبل، لأنه لا يقتل الجسد فقط، بل يقتل العقل، ويدمّر الروح، ويُسقط الإنسان من قمة الوعي إلى هاوية اللامبالاة والجنون

 بداية القصة

 كيف انتشر الشابو بين الشباب؟

منذ سنوات قليلة، كان الشابو مجرد اسم غريب على ألسنة أهل الإدمان، لكن مع الوقت تحول إلى وباء يفتك بالمجتمعات، ويدخل كل بيت ببطء وصمت شباب كانوا يشترون المستقبل بأحلامهم، وجدوا أنفسهم فجأة يتقاذفون بين أروقة المستشفيات والعيادات النفسية، أو يقبعون في زنازين السجون، أو يلقون حتفهم وحيدين على قارعة الطريق. وفقًا لتقارير وزارة الداخلية المصرية، شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملموسة في ضبط حالات تعاطي وحيازة مخدرات الشابو، مع ارتفاع ملحوظ بين الفئة العمرية من 18 إلى 30 عامًا، وهي الفئة الأكثر نشاطًا وإنتاجًا في المجتمع. وتشير بعض الدراسات غير الرسمية إلى أن نسبة الشباب الذين جربوا الشابو تجاوزت 15% في بعض المحافظات مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، وتتضاعف هذه النسبة في المناطق الشعبية والأحياء المهمشة، حيث تتوافر المادة بأسعار منخفضة نسبيًا مقارنةً بالمخدرات الأخرى. من أين يأتي الشابو؟ الشابو يتم تصنيعه بطرق غير قانونية داخل مصر، باستخدام مواد كيميائية خطيرة غالبًا ما تكون مهربة، أو مكونة في معامل سرية. المادة شبه شفافة، تُباع على شكل بلورات أو مسحوق أبيض، يسهل إذابتها وحقنها أو تدخينها. هذا يجعل من الصعوبة بمكان ضبطها تمامًا، ويسهل انتشارها في الأسواق السوداء.

 ماذا يفعل الشابو بجسد الإنسان؟

“الآيس” ليس مجرد مادة مخدرة، إنه مدمّر عصبي معزز، يغير كيمياء المخ في دقائق، فيحطم خلايا الدماغ، ويُفقد المدمن القدرة على التفكير المنطقي، ويسيطر على إدراكه ويشوه سلوكه. علميًا، الشابو يُحدث أضرارًا متعددة على المدى القصير والطويل فقدان الوزن الحاد بسبب قلة الشهية. • تسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، مما يعرّض المتعاطي لأزمات قلبية مفاجئة اضطرابات نفسية شديدة قد تصل إلى الانتحار. تلف دائم في خلايا الدماغ خاصة في مناطق الذاكرة والتحكم بالعاطفة. التأثير لا يقف عند حدود النشوة المؤقتة، بل يمتد إلى هلاوس مرعبة، اضطرابات نفسية حادة، ونوبات عنف لا يمكن السيطرة عليها. شباب تحولوا إلى كائنات غريبة، بلا مشاعر، بلا وعي، بلا إنسانية. عائلة دمرها الشابو شهادة من قلب المأساة “كنت أراه ابني الذي لا يشبهني”، تقول أم فقدت ابنها في دوامة المخدرات. “صار لا يعرف أين هو، ولا يفرق بيني وبين العدو. ضربني مرات لا تحصى، وكان يسرق من المنزل ليشتري المادة.” هذه شهادة مأساوية تعكس واقع آلاف الأسر في مصر، التي تعيش بين الألم والصمت، تخشى الاعتراف حتى لا يزداد الألم. قصص حقيقية تكشف المأساة  “ياسر”، شاب في العشرينات، بدأ بتجربة الشابو في سهرة مع أصدقائه ثم غدا مدمنًا لا يقوى على تركه. فقد وظيفته وعلاقته بأسرته، وهو الآن في إحدى مراكز العلاج النفسي. “فاطمة”، أم لثلاثة أطفال، فقدت ابنها الوحيد بسبب جرعة زائدة من الشابو، وهي تناضل لنشر الوعي في مجتمعها بعد أن فقدت الأمل في علاج ابنها.

كيف ينهار المجتمع تحت وطأة الشابو؟

الشابو ليس فقط مشكلة شخصية، بل قضية مجتمعية كبرى. مع ارتفاع معدلات الجريمة، وزيادة العنف داخل الأسر، وتفكك الروابط الاجتماعية، صار الوباء يهدد النسيج الاجتماعي برمته. تعاطي الشابو يؤدي إلى فقدان الوظائف، وارتفاع معدلات العنف الأسري، ويزيد من ظاهرة التشرد. كما أنه يجهض فرص التعليم والتدريب المهني، ويقود إلى ازدياد معدلات الجريمة، إذ يلجأ بعض المتعاطين إلى السرقة أو بيع ممتلكاتهم أو الاتجار بالمخدرات لتأمين جرعاتهم. الآباء والأمهات الذين يعانون من أبناء مدمنين على الشابو يعيشون حالة من الصدمة النفسية، كثير منهم يتحمل عبء العلاج أو مراقبة أبنائهم، مما ينعكس سلبًا على صحتهم النفسية والجسدية. الشابو فى قنا وابو تشت في محافظة قنا، تتصاعد معدلات ضبط وتعاطي مخدر الشابو بشكل مقلق، حيث كشفت تقارير رسمية عن ضبط كميات كبيرة منه في حملات أمنية متكررة. ففي يونيو 2024، تم ضبط ثلاثة متهمين بحوزتهم حوالي 3 كيلو جرام من الشابو، إلى جانب أسلحة نارية وأدوات تهريب، بقيمة مالية تُقدر بنحو 1.5 مليون جنيه. كما شهد نوفمبر 2024 ضبط عاطل في قرية العزازية بمركز دشنا وبحوزته 1000 جرام من المخدر وبندقية آلية. وفي حادث مرور بمدينة نجع حمادي في مارس 2025، تم ضبط 4 كيلو جرام من الشابو بحوزة أحد المصابين في الحادث، كان قادمًا من محافظة سوهاج لتسليم صفقة. هذه الأرقام تدل على تفاقم ظاهرة انتشار الشابو في قنا، حيث بدأت القرى المحيطة مثل كلاحين أبنود تشهد نشاطًا متزايدًا لشبكات تهريب وتجارة المخدرات. رغم ارتفاع أسعار الجرام، إلا أن الطلب على الشابو في تزايد مستمر، ما يعكس مدى انتشار هذه الآفة في المجتمع المحلي، ويدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل الشباب والمجتمع في هذه المحافظة العريقة لم تكن قرى مركز أبو تشت بمحافظة قنا بمنأى عن وباء الشابو الذي اجتاح مصر. فهذه المنطقة التي تمتاز بأصالتها وتقاليدها القوية، تشهد اليوم أزمة غير مسبوقة بسبب انتشار تجارة وتعاطي هذا المخدر القاتل. في أبو تشت، تتحول ليالي الشباب من فرح وأمل إلى ظلام وإدمان، حيث أصبح الشابو متاحًا بسهولة في الأسواق السوداء، بأسعار زهيدة تناسب جيوب الشباب محدودي الدخل. وتنتشر قصص شباب بدأوا بالتجربة بدافع الفضول أو الهروب من ضغوط الحياة، ثم وقعوا في شراك الإدمان. الجهات الأمنية في المحافظة كشفت خلال الحملات الأخيرة عن عدة شبكات لتجارة الشابو، بعضها يعمل ضمن مجموعات منظمة تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع. ويواجه أهالي أبو تشت مأساة تدمير مستقبل أبنائهم، حيث تتزايد حالات العنف الأسري، والتشرد، وترك المدارس، وسط عجز واضح في آليات الدعم والعلاج. تجربة أبو تشت تعكس واقعًا مقلقًا في عمق المجتمع المصري، حيث يتداخل الفقر، والبطالة، وغياب الفرص، مع عوامل ثقافية واجتماعية تُسهل انتشار هذه الظاهرة المدمرة. ماذا يقول العلم والفلسفة عن هذه الكارثة؟ علميًا، الشابو يغير مسارات الدماغ، ويقضي على ما يسمى “المكافأة الطبيعية”، فيجعل الإنسان أسيرًا للمادة فقط. فلسفيًا، هذه مأساة “تمزق الذات” و”فقدان الحرية”. كما قال الفيلسوف سارتر: الحرية تكمن في وعي الإنسان وإرادته، وعندما تُخطف هذه الإرادة، يتحول الإنسان إلى مجرد جسد يتحرك تحت تأثير مواد خارجية. الإدمان على الشابو هو أكثر من مجرد إدمان كيميائي، إنه انعكاس اجتماعي لجرح عميق في النفس البشرية. يُعبر عن فراغ روحي وقلق وجودي متفاقم، يعاني منه الكثير من الشباب الذين يفتقدون إلى الأمان الوظيفي، الدعم النفسي، والفرص الحقيقية للحياة الكريمة. الحلول ليست فقط طبية أو أمنية التصدي للوباء يحتاج إلى استراتيجيات شاملة توعية مستمرة للشباب دعم نفسي واجتماعي للمتعافين. دور مجتمعي قوي يعيد بناء الثقة والانتماء مؤسسات قادرة على التعامل بإنسانية مع المرضى، لا فقط كمتعاطين. في الختام: هل نريد أن نخسر شبابنا؟ في كل دقيقة تضيع فرصة حياة جديدة، فرصة بناء وطن أفضل. الشابو ليس مجرد مخدر، إنه إعلان موت الإنسانية في داخل الإنسان.

هل سنقف متفرجين، أم سننهض لنكتب قصة مختلفة لأجيال قادمة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى