بعد التصعيد الإسرائيلي الإيراني: الذهب والنفط يقفزان والاقتصاد يترنح تحت ضغط التوترات

رانيا سمير
في ظل التوتّر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، تشهد الأسواق الاقتصادية حول العالم حالة غير مسبوقة من القلق والارتباك التي تنذر بعواقب واسعة على الاستقرار المالي في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. هذه التوتّرات التي نشأت على خلفية هجمات عسكرية متبادلة بين تلّ أبيب وطهران ألقت بظلالها على أسعار السلع الاستراتيجية والنفط والغاز والنقل، وسط تحذيرات من تداعيات بعيدة الأمد على الاقتصاد العالمي.
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بجامعة الدول العربية للشئون الاقتصادية، أن استمرار المواجهات يهدد الاستقرار في الأسواق ويضرب عصب التجارة والنفط والنقل على حدٍّ سواء. وأشار إلى أن القفزة التي شهدتها أسعار النفط بأكثر من 12% لتتخطى 75 دولاراً للبرميل، مع توقعات بوصوله إلى حدود 100 دولار إذا ما استمر التوتّر، لم تكن الأثر السلبي الأوحد على الأسواق.
كما ارتفعت أسعار الذهب إلى 3438 دولار للأوقية، وسط ترجيحات بتجاوزه عتبة 3500 دولار في غضون الأيام القليلة المقبلة، في إشارة إلى هروب المستثمرين إلى الأصول التي يرونها أكثر أماناً في الأزمات الجيوسياسية.
وأرجع الخبير هذه التحولات إلى الأثر العميق للتصعيد على ممرات الطاقة والنفط حول العالم، ولا سيما مضيق هرمز التي يمر عبره أكثر من 20% من إمدادات النفط، بالإضافة إلى مضيق باب المندب الذي يمر منه نحو 6 ملايين برميل يومياً. ويعتبر إغلاق هاتين البوابتين بسبب التوتّر احتمالاً غير مستبعد في حال استمرار القتال، وهو ما يهدد بحالة شلل في حركة التجارة والنقل ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين إلى مستويات غير مسبوقة.
كما أن هذه الأجواء غير المستقرَّة ألقت بظلالها على الأسواق التجارية حول العالم بسبب الخوف على إمدادات الطاقة والنفط والنقل التي تشكّل شريان الاقتصاد الدولي. وأشار الخبير إلى أن التوتّر يزيد الأوضاع صعوبة على الدول المستورِدة التي تشهد عملاتها ضغطاً بسبب نقص العملات الأجنبية والنفاذ إلى الأسواق الدولية.
وتابع غراب أن التوتّر القائم يضغط على تلك الدول التي تستورد الطاقة والسلع الغذائية ويؤثر على قدراتها على توفير العملات الأجنبية بسبب هروب الاستثمارات والضغط على عملاتها الوطنية، ما يزيد التضخم ويؤثر على الأسعار داخليا ويؤجّج الأزمات المعيشية في هذه الدول.
كما رجّح الخبير أن يستمر التوتّر في خلق ارتباك في الأسواق ويؤثر على سياحة المنطقة بسبب الخوف وعدم اليقين التي تسود الأجواء، ويؤثر لاحقاً على عائدات العملات الأجنبية التي تشكّل جزءاً أساسياً في مدخول تلك الدول.
وأكَّد أن هذه التوتّرات تؤثر على آلية تحديد أسعار الفائدة في البنوك المركزية حول العالم بسبب التضخم والنقص في المعروض والنفط والنقل. في هذه الأجواء المعقدَّة يتجه المستثمرون إلى الأصول التي يَرَوْنَ فيها ملاذات آمنة مثل الذهب والين الياباني والدولار، وهو ما يزيد الخسائر التي تتكبدها الأسواق الناشئة ويضع عملاتها في موقف صعب.
يبقى أن استمرار التوتّر بين إسرائيل وإيران يحمل في طياته تأثيرات بعيدة الأمد على الاقتصادين الإقليميّ والعالميّ، ويضع العالم على حافة أزمةٍ غير واضحة المعالم في أسواق الطاقة والنقد والنقل التي تشكّل عصب التجارة والنمو في العالم.