قرار الاحتلال: مناورة سياسية أم نية حقيقية؟

كتبت: رانيا سمير
في خطوة أثارت موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، أفاد مصدر في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لصحيفة *جيروزالم بوست*، بأن نتنياهو توصل إلى قرار يقضي باحتلال كامل لقطاع غزة، بما في ذلك تنفيذ عمليات عسكرية في المناطق التي يُعتقد أن الرهائن محتجزون فيها.
وبحسب المصدر، فقد أبلغ مكتب رئيس الوزراء رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق إيال زامير، بهذا القرار بشكل مباشر، حيث وردت الرسالة بوضوح: *”إذا لم يكن هذا يناسبك، فعليك الاستقالة.”*
الجيش الإسرائيلي يعرض بدائل
ومن المقرر أن يقدم رئيس الأركان زامير اليوم الثلاثاء ثلاثة سيناريوهات بديلة لتوسيع العملية العسكرية في غزة، تركز على تنفيذ عمليات محدودة على أطراف المناطق المأهولة بالسكان، دون التورط في احتلال مدينة غزة أو القطاع بأكمله.
وبحسب ما ورد في مقال تحليلي للكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع، نُشر على موقع *يديعوت أحرونوت*، فإن الخطط العسكرية المعروضة لا تشمل أي خيار لاحتلال كامل، نظراً للكلفة البشرية العالية المحتملة، سواء بين صفوف الجيش الإسرائيلي أو بين المدنيين الفلسطينيين.
ويُقدّر الجيش الإسرائيلي أن مليون شخص يعيشون حاليًا في مدينة غزة، إضافة إلى 600 ألف آخرين في مناطق المواصي وشمالها، و400 ألف في دير البلح والمخيمات الوسطى، وكلها مناطق يُعتقد بوجود رهائن أحياء داخلها.
خلاف داخلي وقلق دولي
قرار الاحتلال الشامل، الذي لم يسبق لنتنياهو أن لوّح به بهذا الوضوح من قبل، أثار انقسامًا داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، خاصة في ظل التحذيرات من تداعيات دولية قد تؤدي إلى عزلة غير مسبوقة لإسرائيل.
وبينما ترى مصادر أمنية أن التلويح باحتلال كامل قد يكون مجرد ورقة ضغط سياسية، تدّعي جهات مقرّبة من نتنياهو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعطى ضوءًا أخضرًا لتوسيع العمليات العسكرية. غير أن هذا “الدعم المفترض” لا يخلو من المخاطرة، في ظل الطبيعة المتقلبة لمواقف ترامب، وفق مراقبين.
زيارة المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف إلى المنطقة، ثم عودته المفاجئة إلى واشنطن، أثارت تساؤلات عن مدى وضوح الخطوط الحمراء الأمريكية أمام نتنياهو، في وقت تزداد فيه الضغوط الدولية من أجل التوصل إلى اتفاق إنساني شامل يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن.
حماس ترد: التهديدات لا تُغير قراراتنا
في المقابل، وصفت حركة حماس تقارير نية إسرائيل احتلال غزة بأنها “تهديدات متكررة لا قيمة لها”، مؤكدة أنها لن تؤثر على مواقف الحركة.
وجاء الرد بعد أشهر من المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية، دون التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن.
وطالبت حماس بإدخال مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى القطاع، كشرط للعودة إلى طاولة المفاوضات، منتقدة في الوقت ذاته الجهود الدولية التي تهدف لتسليم المساعدات بعيدًا عن قنوات الحركة.
مجاعة وظروف الرهائن
خلال نهاية الأسبوع، بثّت حماس مقاطع فيديو تظهر رهائن في حالة هزال شديد، زاعمة أنهم يواجهون مجاعة نتيجة الحصار المستمر على القطاع.
وفي محاولة للرد، وافق الصليب الأحمر على توسيع عمليات إيصال المساعدات، بما يشمل دعمًا مباشرًا للرهائن، بالتعاون مع مؤسسة “غزة الإنسانية”. إلا أن حماس أعلنت أنها لن تسمح بوصول المساعدات إليهم إلا إذا فتحت إسرائيل ممرات إنسانية دائمة وأوقفت الهجمات الجوية أثناء عمليات التوصيل.
مستقبل غامض
في ظل استمرار الجمود السياسي والميداني، وارتفاع حدة الخطابات بين الجيش ومكتب رئيس الوزراء، يبدو أن الصراع داخل إسرائيل لا يقتصر فقط على غزة، بل يمتد إلى مؤسسة الحكم نفسها، حيث تختلف الرؤى بشكل جذري حول معنى “النصر” وحدود “التضحية”.
ووسط كل هذا، لا تزال أرواح الرهائن، ومصير سكان غزة، معلقين في كفّة ميزان قد يختل بأي لحظة.