“ليلة في رحاب التغريبة السيناوية” ندوة موسعة لمؤسسة برادايس للثقافة والفنون
كتب :حاتم عبدالهادي السيد
نظمت مؤسسة برادايس للثقافة والفنون والآداب ندوتها الأسبوعية ” ليلة في رحاب التغريبة السيناوية ” وهي الثلاثية التي كتبها شاعر مصر الكبير عماد قطري أثناء اقامته في المملكة العربية السعودية؛ والتى بدأها في سيناء.
أدار الندوة الأستاذ الدكتور رمضان الحضري أستاذ النقد والبلاغة بجامعة الزقازيق وبمناقشة من الناقدين أ.أحمد سراج؛ والناقد السيناوي حاتم عبدالهادي السيد .
بدأت الندوة بكلمة ترحيب من الشاعر الجميلي أحمد مدير مؤسسة براديس للثقافة والفنون مشيرا إلي دور الشاعر عماد قطري في خدمة الحركة الأدبية والثقافية ومساعدة الأدباء الناشئين والكبار؛ وتنظيم المسابقات وطبع الكتب للأدباء علي نفقة مؤسسة عماد قطري للفنون والإبداع والتي انشاها لخدمة المبدعين المصريين والعرب .
وفى سياق متصل أشار الدكتور رمضان الحضري إلي أواصر معرفته بالشاعر أثناء وجوده في سيناء؛ ومدي ما قدمه من جهود لخدمة أدباء مصر.
وفى ذات السياق تحدث الناقد المصري السينائي حاتم عبدالهادي السيد والذي قدم سردًا تفصيليًا لرحلة عماد قطري منذ رحيله من منطقة ” أجا ” بالمنصورة؛ واستقراره في سيناء لحوالي عقد كامل من الزمان ؛ ثم رحلته إلي المملكة العربية السعودية؛ ومشاركاته في الأندية الأدبية والثقافية بالرياض والمدينة المنورة ومكة وغيرها.
وألقي حاتم عبدالهادي الضوء علي ” التغريبة السيناوية ” وهي عبارة عن ثلاثة دواوين شعرية تتناول تاريخ وجعرافية وحياة وواقع سيناء القديم والمعاصروهي : ” بعض ما قالت العاريَّة؛ ديوان مدن البعاد؛ وديوانه تلك الدار؛ وهي دواوين شعرية تؤطر للمكان وتاريخه وجعرافيته ؛وما لاقته سيناء من ارهاب غاشم مؤكدًا علي الدور الكبير لجيشنا المصري الباسل في التصدى لدحر الإرهاب؛ وهو ما أظهره مسلسل ” الاختيار ” لكل العالم.
وأضاف حاتم عبدالهادي بأن المؤرخ جمال حمدان؛ نعوم شقير؛ وكزانتزاكس وغيرهم قد كتبوا عن سيناء وتاريخها سردًا؛ لكن عماد قطري قد كتب تاريخ سيناء شعرًا؛ وأخلص لسيناء؛ فسجل عبر التغريبة فصول تاريخها وحياة الشكان ؛ بل أنه قد أمسك بيده مفاتح الدخول إلي سيناء وهي : البشر؛ الشجر؛ الحجر ؛ فكان أن خلد كل الأحداث والبطولات لأهالي وشهداء سيناء؛ وشهداء الجيش والشرطة؛ كما سجل الأحداث المعاصرة التي مرت بسيناء عبر حروبها المختلفة؛ ووقوف أهالي سيناء كحائط صَدٍّ ضد الصهاينة في محاولاتهم لتهويد سيناء وفصلها عن مصر ؛ وهو ما عرف ” بمؤتمر الحسنة ” لكن مشايخ سيناء بتعاونهم مع رجال المخابرات المصرية آنذاك قد أحبطوا محاولات الصهاينة التي بائت بالفشل؛ بسبب وطنية أبناء سيناء وحبهم لبلادهم .
كما تحدث الناقد حاتم عبدالهادي عن ديوان تلك الدار؛ وديوان مدن البعاد وأبرز القصائد التي أرخت لسيناء كرباعية رفح وثلاثية بئر العبد ؛ ومرورًا بأحداث الحسنة ونخل؛ وما كان في الشيخ زويد وبئر العبد ومراكز وقرى المحافظة ؛ كما تعرضت التغريبة لكل تفاصيل الحياة في بادية سيناء؛ وحاضرتها في مدينة العريش ؛عبر أحداث تمتد من العصر الفرعوني حتى العصر الحديث .
كما أضاف : بعد هذا كله فإننا سنجد في كل دواوين عماد قطري ومسرحياته روح سيناء متجسدة في وجدانه؛ مما جعلنا نطلق عليه لقب “عاشق سيناء وحبيبها” ؛ وشاعرها الأول دون منازع .
كما تحدث الناقد أحمد سراج عن ديوان مدن البعاد وعن فنيات الشعر والخطاب الشعر السياسي في شعر عماد قطرى؛ كما أشار إلى قصائد الديوان التي تتحدث عن سيناء وقصيدة أم معبد وغيرها؛ وعن فنيات الشعرية لدي الشاعر الكبير ؛ ورحيل الشاعر من المنصورة إلى سيناء؛ وهي رحلة تتماهى مع رحلة المتنبي ؛ وتتقاطع مع رحلة العائلة المقدسة كذلك .
وقال الشاعر عماد قطري في كلمته بأن سيناء تعيش معه في عقله ووجدانه؛ حيث تمثل مفردات الحياة السيناوية القسم الأكبر من حبه وشعره وحياته التي عاشها بين امرأة البحر والنخيل والصحراء وحياة البدو والحضر؛ وهذا كله كانت له تأثيراته في بنية قصائده؛ بل أنه أدخل الكثير من مفردات اللهجة البدوية ؛والعرايشية؛ عبر ثلاثيته الخالدة.
وألقي شاعرنا عماد قطري – عريس الحفل – عدة قصائد منها قصيدة ” خيمة أم معبد “؛ رسالة إلى صديقي مسعد بدر؛ وهي قصيدة توثق لأحداث رحيل السكان من رفح هربًا من رصاص الارهاب الغاشم ؛ وهو الذي رأيناه في أبشع صوره في قرية الروضة حيث تم قتل المدنيين المتصوفين هناك.
كما ألقى شاعرنا عماد قطري قصيدة يتحدث فيها عن بطولات الجيش المصري؛ وشهداء منظمة سيناء العربية؛ وعن مصر النيل؛ وسيناء التاريخ والحضارة؛ يقول في قصيدته “الأشباح ” في الجزء الثالث من ديوان: مدن البعاد؛ من التغريبة السيناوية؛ يقول :
الواقفون على الثغور بلا سماء واقفون
والنيل في أقصى الجنوب
يعبيء الأحلام في الحزن المقيم
وقفوا …
ورمل الله في سيناء يغصبه الغريب
والماء في البئر الحزين ملوث بالفقد
و الأوجاع و الطعم الشريد
حزن كأن النخل آهات مشردة
تَسَاقَطَ دمعها تمرالبعاد
أوّاه من ” يونيو ” الحزين
لا النيل سافر في القرى
أو هبّ في الوادي النسيم
والقابعون على الأسى
شدّوا الرّحال إلى الأمل
وعلى الجنوب غمامتين من الشّجون
و بدرهم خاف التّمام فما اكتمل
يا حادي العيس انتبه !!
للصمت صوت مطبق
يخشى السكون إذا أهلّ
أنت الأمين على الندى و خطاك طلّ
والليل ذاك المبتلى بالظّن
و اللاشيء والفجر القريب
يا ليل طُلْ … علّ الخطى تسبي الدروب
لعلّ .. علْ
ليل تزاحمه الشجون على الشجون و ألف ظن
ليل يسافر في الجنون ولا يرى غير الخبال
من لم يغامر لم يذق طعم المحال
لم يرتشف خمر السماء
ولا ارتوى من غيمة وطن الجمال
يا حادي العيس انتبه !!
ليل و أشباح و رمل ..
وكتيبة الصحراء أجهدها المسير
و النار ما ضلّت دروب الموت في عمق ” المليز ”
هيّء ركابك للنّفير و درْ بها نحو الصّباح
من ذا يراهن يا رفيق ؟!
الدرب إن ضلّتْ دروبك لن يكون ولن يفيق
لا وقت للأوجاع إن مرضت ” سُلَيْم ”
أو انحنى طفل عزيز
نحن القوادم قد سما فينا الجناح
و الريح .. !!
ما خافت صقور النيل أفعال البغاة
وطني الجريح أنا المسافر للردى
أفديك .. أمنح ذا الرّدى سهم القضاء
قال الرّواة الليل مفتتح الرحيل
من أي درب سوف يأتيك الغريب
بنجمة زرقاء أو غدر لعين ؟
كل الدروب إلى دمائك سيدي
سَلِمتْ دروبك من نزيف أو أنين
سفكوا دماء النخل والزيتون
والرمل المكبّل في البعاد وفي القيود
قالوا الفرات و نيل مصر و نجمة
يا فُجْرَهم !!!
رسموا الحدود على البنود
يا أيّها النبض ” الرفاعي ” انتبه
الحيّة الرقطاء أعياها الشّرود
لُمّ الثعابين الشريدة من رمال التين
واذبح ما تشاء من القرود
يا أنت يا الشّبح العنيدْ
شَرّدْ بهم …
لا وقت عند العاشقين بلادهم للموت
إلا بعد أن يفنى الوجود
نحن الخلود إذا تساءل جاهل
خوفو هناك وها هنا نحن الشهود
عبثا تراودك الخطى عن رملك المذبوح
في ليل البلاد
والليل ما باع السّواد لنخلة في الريح
أو خان القمر
والراصدون دبيب ناقتك القلوص
على الرمال قلوبهم آذان شر
يا أيها الشبح المسافر في الوطن
هذي عيون الله تحمي خطوك السّاري
إلى وادي العريش
والبدو في سيناء ما تركوا الدروب لمن يشا
شاؤوا البلاد أبيّة
النيل وحده من مشى
والرمل في وادي العريش مغرّد
يسقي الأفاعي نار قصف
فانتشى
يا أيها الشبح العصي على الردى
سيناء ما نسيت خطاك و لا الندى
يا الله يا رب العباد
الفجر لا يخشى الظلام
والنيل في المحراب في الثلث الأخير
وأنا المعلّق بالرجاء
هب لي رقاب الغاصبين
و ردّني للنيل مجبور الفؤاد
نام العريش ولم ينم ليل المريدين الصباح
في حضرة العشاق نيل راقص
وطن بعيد …ربما
لكنّه في القلب شمس والبراح
يا أم و الرمل الوطن
نحن افتخار الرمل بالطين البعيد
قالت جبال الطور يا النيل النبيل :
والبحر …
ما خنّا العهود ولا انحنى فينا النخيل
من أي باب جاء سمسار الردى
سنبيعه للنار والعار المقيم
يا أيها الشبح المحلق في الضياء
أشعلْت فجرك في المدى
أشعلْتها نار القصاص
هي رعشة في الفجر أتبعها انفجار
غنّ البلاد لأهلها
اللحن نيل والمغنّي الرمل
يا صدق المغنّي و الحداء
سلمى تغني في المدى
أبتي هناك مسافر
و الطير ما نسي الغناء يهزّه لحن تشرّد فاهتدى
يشدو بعطرك في الروابي
رجعها : نحن الفدا
طوبى لسينين الأبية باركت لحن الإباء ومن شدا
ما قلت يا أبتي مضى
ما زال صوتك و الصّدى ….
وشهدت الندوة عدة مداخلات مهمة من المبدعين؛ ومن المؤرخ والكاتب الصحفي الكبير محمد الشافعي رئيس مجلس ادارة مجلة الهلال؛ والمصور وغيرها.
وعلى هامش الندوة عقدت أمسية شعرية لشعراء مصر الذين حضروا من أقاليم مصر ومن القاهرة ؛ وألقت الشاعرة الهام عفيفي ؛ وعدد من الشعراء لقصائدهم؛ التي تنوعت بين حب الوطن والنيل وحب مصر الخالدة.
ووجه الحضور الشكر لقواتنا المسلحة لدورها الرائد في مجابهة الارهاب في سيناء بشجاعة وقوى وحزم؛ كما وجهوا الشكر لرجال الشرطة والمخابرات العامة والحربية والاجهزة السيادية في الدولة لما قاموا ويقومون به من جهد ؛ لدحر الارهاب واستتباب الأمن في كل ربوع سيناء وأقاليم مصر المختلفة.