حاتم عبدالهادي السيد عضو اتحاد الكتاب يكتب : الجاهة عند العرب وقضاة البدو في سيناء

حاتم عبدالهادي السيد عضو اتحاد الكتاب يكتب : الجاهة عند العرب وقضاة البدو في سيناء
الجاهة من الوجاهة؛ وهم وجهاء القوم الذين يتدخلون لإصلاح الأمور بين الناس؛ وحل مشاكلهم؛ والتدخل لمنع القتال وأخذ هدنة لحل الأمور بشكل سلمي . والجاهة عم الرجال الكبار في أقوامهم من أصحاب الشأن والمكانة المعروفة؛ وهم الذين يقومون بأخذ العطوة مجموعة من الرجال، وتكون هذه الجاهة من علية القوم، وذوي المكانة العالية والمرموقة عند العشائر والقبائل، ولهم الفضل في حجب الشر ومنع وقوعه، وتهدئة الخواطر، وتلطيف الجو، وحفظ الحقوق بواسطة كفلاء الدفاء والوفاء.
وعن الجاهة يقول الشاعر أبو تمام :
وَفِرْ جاهي عليكَ فإِنَّ جَاهاً ……………….. إذا ما غَبَّ يوماً صارَ مالا
وعن الجاهة والمركز والسلطة؛ والوجاهة والوجهاء ؛يقول الشاعر أحمد محرم :
وأين الجاه يغمر كل جاه ……………….. وإن جعل السماك له سفينا
ويقول شاعر آخر :
ما زاده الحكم جاها إذ تقلده ………. الجاه منبسط والذكر رنان .
ومن ذلك قول الشاعر جبران حليل جبران :
فانظر إلى الجاه الذي أحرزت ……… بهم ومن سوده الجاه ساد
حسبك فوق الملك جاها على ……………….. جاهك إنجابك أسرى همام .
وعن الوجاهة والسطان يقول الامام البوصيري :
وعِشْ آمِناً في جاهِهِ إنَّ جاهَهُ ……………….. لقصَّاده راضَ الزمانَ وهذَّبا .
أنواع الجاهة :
احتل القضاء العرفي مكانة مرموقة في مجتمع البادية؛ وهو القضاء الذي يحكم في كل القضايا التي تخص البدو؛ وهناك لكل قضية قاض مختص يقول أ/ يحيي الغول في كتابه: سيناء المقدسة؛ يقول :
( ﺍﻟﺠﺎﻫَﺔ ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻮﺟﻬﺎﺀ
( ﺟﺎﻫَﺔ ﺍﻟﻌَﻤﺎﺭ ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻬﺎﺀ ﻟﻄﻠﺐ ﺍﻟﺠﻴﺮﺓ ﺃﻭﺍﻟﻌﻄﻮﺓ ﻭﺗﻌﻨﻰ ﻭﻗﻒ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ.
وللجاهة أنواع متعددة – كما جاء بكتابي عن قبيلة المساعيد والقضاء العرفي؛ والمطبوع في دار كنوز المعرفة بالأردن؛ ومن هذه الجاهة : .
( ﺟﺎﻫَﺔ ﺍﻟﺨَﻼﺹ ) ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻭﺍﻟﻮﺟﻬﺎﺀ ﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺃﻫﻠﻪ ﻭﺗﺴﻤﻰ : ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ). )
( ﻣﺴﻴﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ ) ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺬﻯ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ لتقريب وﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺃﻭ ﺇﺣﺎﻟﺔ ﻗﻀﻴﺘﻬﻢ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﻓﻲ؛
( ﺍﻟﻤَﻠﻢ ): ﻭﻳﻌﻨﻰ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺨﻂ ﺍﻟﺬﻯ ﻳﺴﺒﻖ ﺍﻟﺘﻘﺎﺿﻲ ﻭﻳﺠﻤﻊ لديه ﻃﺮﻓﻲ ﺍﻟﺨﺼﻮﻣﺔ ﻟﺪﻓﻦ ﺍﻟﺤﺼﻰ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ
( ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻮَﺳﺎ ) : ﻫﻮ ﻧﻔﺲ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺑﻴﺖ ( ﺍﻟﻤﻠﻢ
( ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺨﻂ ) ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻠﻢ ﺃﻭ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﺮﻳﺒﻲ
الضريبي لتحديد ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺍﻟﻤﺨﺘﺺ ﺑﻬﺎ الضريبي.
والجاهة في العرف – كما يقولون : إما جاهة نق وطلوع حق ؛ أو جاهه تطييب خاطر؛ ورد اعتبار أواعتذار عن أمر ما؛ وهي مختلفة عن كلمة سوقه : وفيها يتم أخذ بعض الرجال – ولا تشترط الوجهاء هنا – لذا لا يمكن تسميتها جاهة؛ لذلك يجب التفريق بينها وبين الجاهة التي تختص بالوجهاء؛
الجاهة المحزمة :
ـ الحَزْمُ: هوضَبْطُ الأَمْرِ، والأَخْذُ فيه بالثِقَةِ،- كما جاء في لسان العرب – كالحَزامَةِ والحُزومَةِ، حَزُمَ، فهو حازِمٌ وحَزيمٌ : حَزَمَةٌ وحُزَماءُ.
وحزَم رأيَه أو أمرَه/ حزَم في رأيه أو في أمره: ضبطه وأتقنه وأظهر عزيمتهَ فيه :-حزَم أمرَه للوصول إلى النّتيجة المرجوّة في أقرب وقت، – الحَزْم قبل العَزْم..
الحَزْمُ: ضبط الإنسان أَمره والأَخذ فيه بالثِّقة
حَزُمَ، بالضم يَحْزُم حَزْماً وحَزامَةً وحُزُومة، وليست الحُزُومةُ بثبت ورجل حازمٌ وحَزيمٌ من قوم حَزَمة وحُزَماء وحُزَّمٍ وأَحْزام وحُزَّامٍ: وهو العاقل المميز ذو الحُنْكةِ
وقال ابن كَثْوَةَ: من أَمثالهم: إالوَحَا من طعام الحَزْمَة؛ يضرب عند التَّحَشُّد على الانْكِماش وحَمْد المُنْكَمِشِ
والحَزْمَةُ: الحَزْمُ
ويقال: تَحَزَّم في أَمرك اقبله بالحَزْم والوَثاقة.
ومع ذلك فالجاهة جاهة لم نسمع في بادية سيناء بأن هناك جاهة محزومة أو محزمة ؛وجاهة مرزومة؛وغير ذلك.
ولقد أشيعت كلمة محزم أو محزمة؛ وهي أن يتمنطق وجيه الجاهة – أي أكبرهم سنًا – بحزام جلدي به مال؛ ويكون كفيلًا؛ أو يسوق الكفلاء من القبائل الأخرى لأخذ العطوة مشروطة ؛ أو اعطاء مبلغ مالي كنوع من وقف الهدنة؛ أو اطلاق الوجوه من الكفلاء : كفلاء الوفا والدفا ؛ ويكون العرض من المال اصلاح ما كسر من أمر؛ أو تطبيب مجروح من المجني عليه فرد أو أكثر؛ وغير ذلك .
ولكن يقصد بالجاهة المحزمة – فيما أعرف – أن الرجال تحزّموا واستعدوا ليقوموا بأمر الجاهة؛ فهي صفة لمن يقومون بالجاهة بأنهم تحزموا وعزموا أمرهم للقيام بالأمر على أكمل وجه؛ فالحزم صفة للرجال الذين وتهني استعدادهم الجاد للقيام بذلك؛ وقد لبسوا أحزمتهم لقضاء امر الجاهة؛ وليس معناها أن هناك جاهة محزمة وغير محزمة والله أعلم .
والجاهة من الوجه كذلك؛ وهر رمي وجه فلان علي أهل المجني عليه ؛ وتقال جاهة لمن يذهبون لطلب العطوة كذلك؛ لانهم يسوقون كلار القوم والوجهاء غهي سمت بذلك من الوجاهة؛ كذلك ” بدى فلان على فلان؛ فالمبدي يسوق وجهه بشكل غردي؛ ولا يطلق عليه جاهة هنا
وللحقيقة فإن كلمه جاهة محزمة؛ هو أمر مستحدث ؛ ولا أصل لها في كتب القضاء العرفي؛ وفي يقيني لم أسمع بها حتي في البوادي التي زرتها كالاردن وفلسطين والمملكة العربية السعودية؛ ولا في مصر كذلك؛ ويقيني حتي لو تحزم الرجل بالمال — والكلمة هنا ممجوجة لأن التحزم في الغالب ينسحب للنساء؛- بحسب العرف لا اللغة أيضًا ؛ ولأنه لم يعد أحد يتحزم بحزام؛ أو يتمنطق بالمال كالسابق؛ فلم تعد هناك أصفان الآن – لذا – كما أرى – لا يجب أن يطلق عليها جاهة محزمة؛ لأن الأمر هو صفة لمن يقوم بالعطوة؛ لا العطوة ذاتها..
جاهة العرس في البوادي العربية
وللجاهة أنواع متعددة؛ فهناك الجاهة التي توقف نزاعًا وتطلب الهدنة وتعطي الكفلاء؛ وتمنع الدماء والصراع؛ وهناك جاهة العرس التي يتم بموجبها أخذ العطوة من جاهة العرس؛ وهي تأخذ طابعا بروتوكوليا مع تطور المجتمع ولكنها تبقى طقسا اجتماعيا مهمًا كما في الاردن وبعض الدول العربية؛ وفي بادية سيناء – على نطاق ضيق ؛ إذ تطلق علي من يذهبون لطلب المرأة من والدها ؛ وهم في الغالب أهل العريس؛ وبعض أقاربه المقربين جدًا؛ وتكون محدودة كذلك.
القهوة والجاهة :
القهوة هي وسيلة للحصول على الطلب. إذا يمتنع الطالب عن تناول الفنجان بعد صب القهوة ويضعه أمامه قائلا (ما أشرب القهوة إلا تعطيني اللي جيت بيه)، فيقول المعزب: (اشرب القهوة وابشر باللي جيت به، إذا أقدر عليه).
وفي حالة الصلح بين طرفين متخاصمين، تمتنع الجاهة عن تناول القهوة حتى يوافق الطرف صاحب الحق على الصلح أو العطوة أو السماح (شيمة) لله وللرسول والجاهة. هنالك طلبات يمكن أن يعتذر أو يتعسر الحصول عليها بالطرق العادية، ولكن يمكن الحصول على هذه الطلبات بواسطة القهوة والجاهة.
جاهة العرس في الأردن :
لا تزال جاهة العرس عادة اجتماعية يتمسك بها مجتمع البدو والريف والمدينة، في عمان وأهل الأردن ؛ وبعض الدول العربية ؛ولكنها حاليا تأخذ الطباع البروتوكولي بعيدا عن جوهرها في الأجيال السابقة، حسب مهتمين ووجهاء عشائريين.
ويرى هؤلاء أن جاهة العرس كمفهوم وسلوك لا تزال مسلكا اجتماعيا قائما، ولم تزل تخدم غايات اجتماعية تميز ثقافتنا عن غيرها رغم كل مظاهر التمدن وبروز القيم
الفردية كما تقول / لبني الرواشدة ؛ حيث يجد الشاب المقدم على الزواج نفسه يفكر قبل أي شيء بتنظيم جاهة مكونة من أهله وأقاربه ومعارفه تذهب حسب موعد مسبق الى بيت العروس حيث يستقبلهم هناك أهلها وأقاربها.
ويصف الباحث في العادات والتقاليد الأردنية أ/مصطفى صالح، الجاهة “بالطقس الأصيل الذي يحفظ قيمة المرأة والعائلة ويضمن استمرار العادات والتقاليد وعدم اندثارها” .
ويؤكد صالح أن استمرار العادات والتقاليد جزء مهم من الحفاظ على المجتمع وهويته وثقافته المميزة له عن باقي المجتمعات والثقافات.
وجرت العادة أن تضم جاهة العريس شخصا هو كبير الجاهة الذي يطلب العروس من أهلها مستهلا كلامه بآيات قرآنية او أحاديث نبوية ويمدح الشاب المتقدم ويزكيه كما يقوم بمدح العروس وأهلها.
وفي نظرة لما كانت عليه طقوس الجاهة قديما يقول الشيخ بركات الزهير أنه قديما لم يكن الأمر كما هو عليه الآن من حيث معرفة أهل العروس مسبقا وبحثهم بالتفاصيل مع أهل العريس، الأمر الذي “جعل الجاهة تقتصر في الوقت الراهن على مراسم بروتوكولية فقط”.
ويضيف أنه في الماضي كان أهل العروس في كثير من الأحيان يتفاجأون بحضور الجاهة ويكون الشاب لم يشاهد الفتاة مسبقا أو رآها بالصدفة وسمع عن خلقها ونسبها، مشيرا أنه في الوقت الراهن أصبحت الجاهة مجرد روتين، وإن كان يخدم الحفاظ على العادات الأصيلة ولو شكليًا ..
وكان من حق أهل الفتاة في حال مفاجأتهم بقدوم الجاهة، حسب الزهير، أن يطلبوا وقتا كافيا للسؤال عن الشاب ونسبه وأخلاقه..
وتتضمن مجريات الجاهة حسب العادات والتقاليد أن يقدم فنجان واحد فقط لكبير الجاهة ويضعه هو بدوره أمامه ويقوم بطلب العروس ولدى اجابة والد العروس بالقبول يشرب كبير الجاهة فنجانه وتتم قراءة الفاتحة مع الحضور.
ومن مظاهر الفرح التي تلي هذه الطقوس هي تناول الحلوى، وخصوصا الكنافة..
وبحسب العادات والتقاليد في منطقة الجفر الصحراوية، يبين عيد ابو تايه (33 عام) أنه بعد أخذ الموافقة من أهل الفتاة، يقوم والد العريس أو من ينوب عنه حسب عادات وتقاليد البادية بنحر الذبائح واقامة الولائم على الغداء أو العشاء ابتهاجا بالمناسبة واعلانا للفرح.
من جانبه يوضح أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين محادين أنه ومع توالي الحقب التاريخية التي مر بها المجتمع الأردني كان الاهتمام يتجه نحو كثرة المشاركين في الجاهة الذي يوحي بالهيبة.
وتتفق معه في ذلك إيمان فارس (36 عام)، وهي ربة منزل. وتقول من تجربتها الشخصية أن حضور جاهة كبيرة لخطبة الفتاة يجعلها تشعر بنوع من التكريم لها ولأهلها.
ويتابع محادين بالقول إن كبير الجاهة كان يدل على أهمية النسيب الجديد وهذا أمر يتبادل وفق نظرية التبادل الاجتماعي وصولا لإنضاج مفهوم مشترك مفاده أن الأهمية تكمن بكثرة عدد المدعوين أو المشاركين.
ومع حدوث التحولات الاقتصادية والاجتماعية من مجتمع بدوي الى ريفي باتجاه التحضر يوضح محادين طبيعة الصراع القيمي بين قيمة الفرد المتعلم والمستقل ماليا ممثلا بأي من الزوجين أو الخطيبين واستمرارية التشبث بالقيم التقليدية المتكئة على الكثرة الصورية مقابل ضمور تنظيم العشيرة أو القبيلة.
ويؤكد صالح أن اتباع هذه العادة يعكس تمسكنا بعاداتنا وتقاليدنا كما تضع الرجل في موقف يجعله يفكر مليا قبل الإقدام على أي عمل غير لائق قد يسبب له أو لأهله الإحراج أمام الفتاة وأهلها. وهذا في رأيه نوع من أنواع الحماية للطرفين.
ويضيف هذا الباحث أن للجاهة دورا تربويا يتمثل في تكريس العادات وترسيخها في أذهان الأجيال الصاعدة كقيم لها علاقة بالرجولة والنبل والفروسية.
ويرى أنه رغم كل التغيرات، تظل هذه القيم قواسم مشتركة تجمع الناس وتحمي نسيج المجتمع من التفكك الذي تفرضه طبيعة الحياة المعاصرة.