ثقافة و فن

 الناقد حاتم عبدالهادى السيد يكتب :   النقد التطبيقي للقصة العربية في الوطن العربي 

الناقد حاتم عبدالهادى السيد يكتب :   النقد التطبيقي للقصة العربية في الوطن العربي

 

بداية لابد أن نطرح عدة نماذج ثم نقدم لها لنرى مدى تحقق كتابة الومضة واشتراطاتها السالفة مع اعتبار ما أضفناه سلفاً – حسب رؤيتنا المتواضعة – واليكم النماذج أولاً :

 

ذئاب

جَرًدوها من ثيابها؛ جَردتهمْ من انسانيتهم . .

**********

يطالعنا باسم عطوان فى ومضته : ” ذئاب ” بمضمونية بارعة لفعل التجرد والظلم الذى وقع على تلك الفتاة أو المرأة ، فهى بكشف ثيابها وتجردها منها انما تكشق عورات المجتمع الظالم الذى لا يراعى حرمة أو ضمير ويبقى فعل التجرد شاهداً ، او مدلول لدال الذئب المفترس ةتبقى العلامة السيموطيقية فى العنوان ” ذئاب ” دالاً منتجاً وشاهداً على وقوع الظلم بفعل التعرى وكشف الثياب والعورة ،لكننى أرى أن المفارقة هنا تقريرية ولاتدلل الى فعل الدهشة العام ن حيث تنتج الدهشة فى تصور المشهدية للجسد المتعرى ، ولكنها دهشة تحمل معنى التعاطف أو الاستنكار وربما التضامن مع قضية تعرى المجتمع وديكتاتورية الأنظمة ، كما تحيل القارىء الى تخيلات يستنبطها بقدر دهشته أو استنكاره ، او يستدعى فيه موقفاً مشابهاً تعرض قيه لظلم وقع عليه من جراء هذا النظام او الفرد أيضاً ن وربما تحيلنا الومضة الى مشهدية الاغتصاي كذلك لفتاة من مجموعة يشبهون الذئاب ، ولكنه القاص هنا كرر فعل التجرد بمعناه المغاير ليحيلنا الى صورتين نمطيتين لفعل التحرش أو الاغتصاب أو الاذلال القسرى للأنثى فى مجتمعاتنا الشرقية ، او اى مجتمع كذلك ومن هنا كنت أرى أن يجىء بكلمة أخرى غير ” جردتهم ” لينتج – فيما أحسب المعنى التبادلى المتواشج مع مشهدية الفعل لأن التجانس أو الجناس وان أقر واكد فعل التعرى الا أن المضمونية لتجسيد مشهدية الحدث وفظاعته ستكون أقوى لو غير فى الاشتقاق اللغوى ، ومع هذا تجىء الومضة متسقة مع نمطية القص السردى وان أنتجت التخالفية الضمنية الاحالية .

———-

وفاء

أقسم ألّا يهجرها؛ عاتبته في نعشه ..

فى قصته : ” وفاء ” يطالعنا القاص أ/ : ” رلى جمل ” ، بومضة رائعة لتجلّى الوفاء الانسانى للزوج بعدم زواجه من أخرى احتراماً لطيب العشرة معها ، الا أن الومضة المفارقة قد أحدثت تخالفاً فى التوقعية ، أو كما نقول : لقد كسرت مضمونية الحدس أو التوقع وخالفته لتدلل الى براعة كاتب استطاع بكلمات مكثفة دالة أن يحيلنا الى المعنى الادهاشى غير المتراتب ، ليأتى الوفاء كعنوان دال على فعل الحدث الا وهو الوفاء ، رغم معاتبتها له على عدم تزوجه بأخرى، وكأنما تريد له المتعة كنوع من الوفاء أيضاً ، كما أحالنا الى ذلك المعنى التراتبى التخالفى المتواشج لاتّساق الناحية الوجدانية لكلا الزوجين معاً ، ليدلل هذا الى براعة سارد فى اظهار اقنصاديات اللغة المائزة ، وعمق التعبير والوصول الى غائية المراد ، عبر الدوال والمدلولات السيمولوجية .

————

حرمان

أهداها الوسادة، وسرق منها النوم.

**********

تجىء ومضة حرمان للقاص : ” محمد فؤاد زين العابدين ، أو صفاء محجوب ، السودان “تقريرية بفعل استخدامه لأداة العطف ” الواو ” ومن هنا سقطت موضوعة الاحالية أو السببية ، ولو قال : فسرق منها النوم ببناء الفعل للمجهول بضم أوله لكان – كما أرى دالاً يعيجد للومضة رونقعا ، ومع ما أشرت اليه فان المعنى المشاهداتى الذى وصلنا أكثر من رائع ـ أو أنه أراد الخروج بالموضوع ليظل العنوان :” حرمان ” جزءاً من السرد ، وله ذلك ، ولكن المعنى بذلك يتم تلبيسه صورة أخرى ، اذ العنوان وان كان دالاً على الومضة ، الا أنه فيما أحسب يكون جزءاً من الحدث ودالا عليه فحسب وهى قصة جيدة كذلك.

 

حنين

أمطرها بنظراته ؛ تفتّحتْ أكمام الشّوق الغافيةُ.

*********

فى قصتها : ” حنين ” تكثف المبدعة أ/ أسمهان الفالح رؤيتها للموضوع ٍببراعة وايجاز شديدين ، فهو لما أوسعها نظرات كالمطر تفتحت لديها أشواق القبول ، وخفق قلبها المعطار بالحنين ، فكأننا أمام تفسير للنص القصصى يدلل اليه العنوان الذى يحمل مضمونية القصة ، ويصبح النص مكملاً للعتبة النصيّة – العنوان – وليس تفسيراً أو شرحاً له ، بل هو كلّ يفسّر مجموع أجزاء ، أو هو مدلول يشير الى دوال تساوقه ، تسير معه وتتقاطع فى رموز وأشكال ودوائر ، وكأننا أمام تغذية راجعة ، أو ممتدة ، تدور فى فلكها ليصبح الحنين مدلولاً ، وهو فى نفس الوقت دالاً يدخل فى نسيج السرد ، وان كان منفصلاً عنه ، لتكتمل دوائر السرد السيموطيقية ، أو تندمغ العلامة السيموطيقية بين الدوال والمدلولات ، فنرى أثر الحنين نابعاً من عمق نظراته الى الفتاة التى كان قلبها يستجيب ويدق وتتفتح أكمام الشوق لديه ، ناهيك عن الصورة الاجمالية المائزة لأكمام الشوق ، وهى صورة استعارية ، تنبىء عن بلاغة ترميزية ، تحاول أن ترسم ملامحاً للحالة النفسية الجميلة ، والرضا ، والتعبير عن عمق امتنانها وحنينها ، وحبها لذلك الواله العاشق بجمالها الباهر .

(ب)

بعثٌ

امتزج خريفهُ بربيعِها؛ وُلِدَ فصلٌ خامسٌ .

**********

وفى قصتها : ” بعث ” تستلب / أسمهان الفالح ذواتنا من خلال العنوان الترميزى عن البعث ، ولكنه ليس بعثاً بعد حالة موات ،كما يتبادر ذلك الى الذهنية المترسّبة فى ثقافتنا ، لأول وهلة، وانما هو بعث من نوع جديد ، حيث امتزج الخريف بالربيع ، لديهما ، أى تزوجا ، أو تعانقاً فولد فصل خامس ، ولم تنبىء عن المولود الاستعارى الذى يخالف قوانين الفصول الأربعة التى نعرفها ، بل هو فصل جديد ، أو بعث جديد لفصل الحب الممتزج بخريفه وربيعها ، فأنتج ذلك الامتزاج شيئاً جديداً ، وفصلاً خامساً ، مجهولاً ، نتيجة عملية الامتزاج ، سواء بالحب أو بالتخالفية التى تمزج فصلين متضادين ، فلابد هنا من بعث جديد لمولود استعارى ، قد يكون الحب ، وقد يكون نتيجة له ، أو مخالفاً له كذلك ، وكأنها تكسر التوقّع بتخالفية – غير متراتبة – فريدة ، لتوهمنا بحالتهما وقت الامتزاج ، وما نتج عن تلك العملية الوجدانية ، أو العضوية ، فكأنهما اتسقاً اثنان فى شىء واحد ، فتجسّد الانبعاث والمولود الجديد ، وهذه الصورة الدالة الترميزية الاستعارية التخالفية من خلال التضاد وعادة الانتاجية للدوال والملولات وتواشجمها تشير الى جمالية الوصف السردى الذى دلل الى حدث ضخم كبير ، ألا وهو البعث الجديد ، وهى ومضة فارقة دالة ورامزة ومعبرة الى أبعد حد ، وتشير الى عمق رؤية لدى الكاتبة ، كما تشير الى سموق الفكرة الملغزة والجميلة ، والنبيلة أيضاً . .

كانت هذه بعض الرؤى الشذرية للنقد الاختزالى الذى نقدمه كذلك ، فلا يصح أن نتناول كنقاد هذا الشكل الابداعى الجديد بمفاهيم ومناهج النقد المتعارف عليها ، بل هو نقد شذرى اختزالى تكثيفى يتواشج مع شكل قصة الومضة ويساوقها حتى تكتمل مسيرة تشكلها فى التربة الابداعية ن ونحن اذ نستشرف لها أفقاً فاننا نعد بتقديم دراسات مستفيضة عن هذا الشكل الاجناسى الجديد للقصة الومضة التى تساير المفاهيم ما بعد الحداثية لتطوير القص والسرد ولتجاوز الشكل الى المضمون ن ولتجاوز المضمونية الى جوهر الابداع الاختزالى وزمردة الابداع الجديد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى