مقالات

 حاتم عبدالهادى السيد يكتب : القصة العربية المعاصرة…قصة الومضة …قراءة فى المفهوم وتطبيقاته السيمولوجية

 حاتم عبدالهادى السيد يكتب : القصة العربية المعاصرة…قصة الومضة …قراءة فى المفهوم وتطبيقاته السيمولوجية

 

 

يمكن لنا أن نعرّف هذا الشكل الابداعى الاجناسى القصصى – كما أستشرف لها – بأنها : الشكل التلغرافى ، أو برق الضوء الفنى المباغت للحدس الذى يصنع ادهاشية رامزة موحية تعقبها نهاية مباغتة ، تصنع نسقاً ابداعياً احالياً ، يحيلنا الى ذواتنا ، ويشرك القارىء أو المتلقى فى تصور الأحداث السابقة ، أو اللاحقة لذلك المنتوج الابداعى ، شديد التكثيف، وشديد الخصوصية .

وقصة الومضة :

هى القصة السيموطيقية التى تعتمد الدوال والمدلولات الرامزة والاحالية لتحيلك الى نهاية ادهاشية تستنطق بها الذات لتحيلها الى معمل العقل والوجدان معاً ، لتنتج لنا تصورات وأفكار ومواقف ربما مشابهة ،أو مماثلة عن طريق الاستدعاء العقلى والوجدانى لأحداث متروكة فى الذهنية ، أو التى نحّاها العقل جانباً من الزمن لتعاود الظهور ، فتتماس القريحة مع النص السردى لتعيد ديمومة انتاج الأفكار أو الطاقات الكامنة لنرى العالم من جديد بصوره وأشكاله الموحية، والجديدة أيضاً .

وقصة الومضة :

هى الشذرة التى تمنح قارئها معطى جمالياً ونسقاً كتابياً مغايراً لما يعرف ، فيستدعى معه اشراك الذات القارئة مع المبدع فى انتاجية النص أو استكمال مشهدياته وتخييلاته وقصديات الشعرية فيه .

وقصة الومضة :

هى القصة الضوئية ، أو الاختزالية ، أو ومضة البرق الابداعى التى يعتمد المبدع فى كتابتها على عدة عناصر مثل : التكثيف ، المفارقة ، الادهاش ، الايحاء ، النهاية المباغتة ، وأضيف اليها الدلالة السيموطيقية ” دلالة العنوان ” الذى يلخّص أو يوجز ، أو يشكّل مع النهاية المفارقة الأثر النفسى والجمالى والمشاهداتى ، لهذا اللون الفنى الابداعى الجديد ، ودعونا نطلق عليه – بداية – لوناً أو شكلاً ، لنضيفه الى اجناسية القصة العربية ، اذ ليس هذا اللون قد نشأ شيطانياً أو منبتّ الجذور ، بل قد سبقته – فيما أحسب – ألوان ابيجرامية ، وتوقيعات ، وأشكال أخرى من مثل : القصة القصيرة جداً ، والقصة التفاعلية ، ولن نقول القصة الميكانيكية ، أو الاستاطيقية ، تلك التى تخرج السرد عن مضمونيته ، وتفرّغه من جماليته ، وتصوغه فى قالب أيديولوجى ، أو نمط آلى محدد . بل هى لون أدبى يعتمد بلاغة الحذف والتكثيف ليعيد انتاجية القص بصورة لطيفة ، تتغيّا تشاركيّة القارىء والمتلقّى معاً ، لتتكامل دائرة الهارمونطيقا ، أو عملية التنامى النسقى للسرد ، لدى الكاتب والمتلقى ، من خلال الرسالة والأثر الناشىء ،أو الاحالى ، أو قصدية الغائية من هذا التلقى .

ولنا أن نلمّح بان هذا النوع ليس جديداً على جنس القصة العربية ، لكن الجديد فى وضع شروط استشرافية ونمطية معيارية ،ولا نقول آلية ، بل هى نسبية ، نوعاً ما ، لكنها شروط معيارية قد تصلح مع الناقد للتقديم الحكم النقدى ، الا أنها قد لا تتّسق والذائقة الأدبية فى كل الأحايين ، وتلك لعمرى معضلة ، تجعلنا نشير الى تغليب المرونة الكتابية فى مثل هذه النصوص ، أو الومضات ، بأن نحدد بأن قصة الومضة : لابد ألا تزيد عن سطر أو سطرين ، وليس ثمانى كلمات – كما حدد لها سلفاً – حيث تحمل الرسالة الابداعية ديمومة وجودها واكتمالها الذى يهفو الى الاكمال ، من خلال استخدام الحيل البلاغية مثل : المفارقة واحداثيات الدهشة أو الخوف أو التجهم ، أو أى أثر نفسى آخر ، وهذا من شأنه توسيع دائرة الخيال لاستنطاق كوامن الذات البشرية ومراكز الاحساس لتتم البرمجة اللغوية العصبية – كما أرى – داخل معية العقل التى تنعكس على الروح والوجدان لتحدث الأثر الناشىء من عملية الابداع ، وتلك لعمرى غائية الفن ، أو كما أصطلح : النص المثال أو القصة الأنموذج التى تسير باشتراطات نسقية ولغوية وكتابية وشكلية ، لكنها عن طريق التحوير والمماهاة والألعاب اللغوية والخيالية تتماهى فى هارمونى متناغم لتحدث الأثر النفسى المراد ،اذ هى تجاذب الروح والعقل لاحداث ” شكّة ” عقلية ، أو وجدانية ، لاعادة ايقاظ العقل والروح معاً ،وهذه ليست ألغاز لغوية ، بل هى لون ابداعى نستشرف له وندلل اليه بالبراهين التطبيقية ، ولغيرنا أن يناقشنا ، يختلف معنا ـ أو يتفق ، يضيف أو يكمل لتكتمل دائرة هذا الشكل اذا اعتبرناه شكلاً جديداً ، أو لوناً ابداعياً يضاف الى مسيرة الاجناسية القصصية ، أو يتباين معها ، أو يتقاطع ليؤطر شكله الأنموذجى ، أو الذى يمكن أن نعتمده كنقّاد ، ومن ثم نستشرف له ،و نلقى الأحكام على هذا المنتوج الأدبى الجديد.

ما الومضة ؟ وما دلالاتها الضاربة فى تربة السّرد القصصى الممتدّ ؟ وما مدى العلاقة التى يمكن أن نلمحها هنا بين أبجديات الذات الساردة ودلالاتها الموضوعية المفارقة ؟ ثم أى مكان نتغيّاه ، وأى طريق نسلك لمسيرة القصة الومضة ، حتى نضع لها تأسيساً نظرياً ، أو تطبيقاً عملياً ، أو بناء معرفياً ، أو اطارا ً تعريفياً ، وغير ذلك ، لهذا الشكل القصصى الذى لم تألفه العين على مستوى الشّكل ، ولا العقل على مستوى المفارقة ، ولا الذّائقة على مستوى التلقّى ؟! ثم هل نحن أمام الغاز سرديّ ، أم تعبيرات تحمل من خلال طابعها اللغوى الحكمة المفارقة ، أو اللغة التقصيديّة البلاغيّة باشتقاقها ، وتموجاتها ، وتعريجاتها ،وترادفها ،ودوالها ومدلولاتها ، وعلائقهما ، من حيث : التّواشج ، والتّضام والمشابهة ، والمشاهداتيّة الرؤيويّة ، أو من حيث اختلافهما وتنافرهما ، بل وتعاظلهما ، أو تناغمهما اللغوى والدلالى : الاستعارى ، أو المجازى ، أو التعبيرى ، أو التجانسى ، وغير ذلك ، من حيث التناغم واتّساق الهارموني السردى ، أو الجمالى المعيارى ، الذى يعتمد بلاغة الحذف والتّكثيف لاحداث ومضة خاطفة ، تسرق الشّوف من العين ،لكن لا تطمس ماديتها الرؤيوية ، أو تؤثر على وظائفها العامة ، أو الخاصة .

هذا – و ان كنا هنا بصدد تقديم قراءة تطبيقية – فاننا نقرّ بأن هذا الشكل الأدبى ، أو الجنس الأدبى الجديد ، لا تستقيم له الرؤية النهائية – كما أحسب – الا بعد أن يتم تصويب وتعديل نواقصه – التى نراها – ولا يتم تقويم اعوجاجه الا بتطبيق مشروطياته ، أو فرضياته تطبيقياً ، ومناقشة أطره النظرية ثبوتياً حتى تستقر الذات الناقدة ، للبرهان التطبيقى ، الذى يحايث الفرضيّات النظرية التى قد تضع شروطاً تثبت فشلها ، أو تنحو بالموضوع تجاه الأيديولوجيا ، والجمود ، والميكانيكية ، وغير هذا ، كالشرط الموضوع للومضة بألا تزيد كلماتها على ” ثمانى كلمات ” ، وكأننا بهذه العددية نؤطر للفن اطاراً أيديولوجياً ، أو نضع له مدلولاً رياضياً ، أو استاطيقيا ، لا يخدم الذائقة فى عملية التلقّى ، ولا يسعف المبدع أثناء عملية الخلق الفنى ، أو الابداع ، وبالتالى يفقد الفن أو الابداع جمالياته ، أو أفقه الكونى ، أو يؤطّره فى معان ضيقة ، أوفى فضاء مغلق ، وكأننا أمام منطق رياضى : استدلالى ، أو استنباطى ، أو فلسفى بحت ، متناسين أهمية كل هذا ، لكن بشرط أن يصاغ بشكل فنى وجمالى ، لاحداث

الأثر الغائى، أو المنشود، أو الأثر النفسى المفارق ،والمتحقّق بفعل الكينونة المتشظّية ، أو الخاطفة للقصة الومضة ، بفعل السرعة والتكثيف ، وقوة الفكرة مع عمق الأثر ، وغير ذلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى