الخروج من غزة.. هل تقبل إسرائيل بإنهاء وجودها العسكري؟
خلاف أخير يعيق إعلان التهدئة

في الوقت الذي تزداد فيه آمال العالم بتوقف الحرب المدمرة في قطاع غزة، يبقى ملف بقاء القوات الإسرائيلية في القطاع هو الحاجز الأخير الذي يفصل بين استمرار حمام الدم، أو بدء هدنة طال انتظارها. وبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يختتم زيارته الثالثة للولايات المتحدة منذ بداية الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، بدا المشهد أكثر تعقيدًا مما توحي به الابتسامات الدبلوماسية.
خلال لقائه الثاني بالرئيس الأمريكي في يومين، قال نتنياهو في تصريحات للصحفيين إن المحادثات تركزت على مسألتين محوريتين: تحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، و”القضاء على القدرات العسكرية والحكومية للحركة”، على حد قوله. كما أشار إلى ما اعتبره “نصرًا كبيرًا على إيران”، في تصريحات مثيرة للجدل أعقبت لقاءاته الثنائية في واشنطن.
عُقدة واحدة تؤجل الاتفاق
وبينما تتقدم المفاوضات غير المباشرة الجارية في الدوحة، بدعم أمريكي ووساطة قطرية ومصرية، أكد المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، أن نقطة الخلاف الوحيدة المتبقية تدور حول مستقبل الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة. وهو البند الذي يُصنّف كالأكثر تعقيدًا منذ بداية المحادثات.
ونقلت شبكة “سكاي نيوز” البريطانية، عن مصادر دبلوماسية مطلعة، أن النقاشات وصلت إلى مراحل متقدمة في معظم القضايا، بما في ذلك آليات إدخال المساعدات الإنسانية، وجدول تبادل الأسرى، وضمانات عدم تجدد الحرب بعد انتهاء وقف إطلاق النار المتوقع لمدة 60 يومًا.
لكن القضية التي تُعلّق الإعلان الرسمي للاتفاق، هي إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بقواتها في مناطق داخل القطاع، بذريعة استكمال العمليات ضد “الخلايا المتبقية لحماس”، بينما تصر الحركة على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن انسحابًا كاملاً لقوات الاحتلال كشرط أساسي لأي تهدئة مستدامة.
ضغوط أمريكية
في محاولة لسد فجوة الثقة، ظهرت إلى السطح قنوات اتصال غير تقليدية. فقد كشفت “سكاي نيوز” أن رجل الأعمال الأمريكي من أصل فلسطيني بشارة بحبح، لعب دورًا مهمًا كـ”قناة خلفية” بين إدارة ترامب وقيادة حركة حماس، حيث نقل رسالة وصفت بأنها “ضمان ضمني” بأن واشنطن لن تسمح لإسرائيل باستئناف العمليات العسكرية بشكل أحادي بعد سريان وقف إطلاق النار.
وتشير المعلومات إلى أن هذه الرسالة ساهمت في تليين موقف حماس نسبيًا، لكنها لم تُلغِ مخاوف الحركة من أن انسحابًا جزئيًا أو مؤقتًا قد يمنح إسرائيل فرصة لإعادة اجتياح القطاع في أي وقت، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية لا تزال تؤكد أن “القضاء على حماس” هو هدفها الأساسي من الحرب.
المناطق المنزوعة السيطرة
وبحسب الاتفاقات الأولية، فإن المناطق التي يُحتمل أن تنسحب منها القوات الإسرائيلية، ستُدار مؤقتًا من قبل أطراف دولية محايدة، مثل الأمم المتحدة أو منظمات إغاثية معترف بها، وهو حل وسط طُرح لتجنب عودة “حماس” فورًا للسيطرة على الأرض، وفي الوقت ذاته منع إسرائيل من الإبقاء على قبضتها العسكرية.
لكن هذا الخيار يظل هشًا، إذ لا تزال آليات التنفيذ، وضمانات التمويل، ومسؤوليات إعادة الإعمار غير واضحة المعالم، ما يزيد من هشاشة أي اتفاق محتمل ما لم تُرفق بخارطة طريق سياسية شاملة.
الحسابات الإسرائيلية
وبينما يتواصل النزيف اليومي في القطاع، تواجه القيادة الإسرائيلية مفترق طرق حساسًا: إما قبول صفقة تؤدي إلى إنهاء الحرب مقابل استعادة الرهائن، مع بقاء “حماس” ككيان سياسي وميداني، أو المضي في خيار “الاحتلال المفتوح”، الذي يحذر منه كثير من المحللين الإسرائيليين والدوليين باعتباره “فخًا استراتيجيًا” لا نهاية له.
ويبدو أن نتنياهو، رغم الضغوط الدولية والداخلية، يوازن بين رغبة عائلات الرهائن في استعادتهم بأي ثمن، ووعود اليمين المتطرف بالقضاء التام على حماس. مع العلم أن نحو 20 رهينة فقط يُعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة، من أصل 251 تم أسرهم في عملية 7 أكتوبر، التي قُتل فيها 1200 إسرائيلي، بحسب البيانات الرسمية.
الثمن الإنساني
في مقابل الروايات السياسية والعسكرية، تدفع غزة وحدها كلفة الصراع الباهظة. فقد تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين، وفق مصادر طبية وإغاثية، أكثر من 57 ألف قتيل منذ بداية الحرب، بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء.
دمرت البنية التحتية بشكل شبه كامل، وتحولت المستشفيات إلى ملاجئ عاجزة، بينما نزح أكثر من 80% من السكان، وفق تقارير الأمم المتحدة، وسط شلل كامل للحياة اليومية وغياب أي أفق لإعادة الإعمار في ظل الحصار المستمر.