الإحصاء تراجع التضخم في يونيو.. وعيون المصريين على الأسعار لا على النسب

كتبت: رانيا سمير
وسط خريطة أسعار طالما أربكت ميزانيات البيوت المصرية، جاء التراجع الجديد في معدلات التضخم السنوي بمثابة “نقطة ضوء” في نفق طويل من الغلاء. فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، صباح اليوم، انخفاض معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية في يونيو 2025 إلى 14.4%، مقارنةً بـ 16.5% في مايو الماضي، وهو تراجع يُعزى بالأساس إلى هبوط ملحوظ في أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية، وعلى رأسها اللحوم والدواجن والخضروات.
سلة الطعام تتنفس.. رغم أنف التضخم
لأول مرة منذ أشهر، شعر المواطن البسيط ببعض التوازن في “الشنطة اليومية”. انخفاض أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 3.8%، والخضروات بنسبة 1.0%، ساهم في تخفيف الأعباء عن كثير من الأسر التي كانت قد اضطرت في السابق لتقليص كميات الشراء أو استبدال مكونات أساسية بأخرى أرخص.
“أخدت كيلو لحمة بـ200 بدل 240.. مش فرق كبير، بس فرّق في نفسيتي”، تقول أم حسين، موظفة وأم لثلاثة أبناء من حي إمبابة، مؤكدة أن مجرد التراجع البسيط أعاد لها شيئًا من الشعور بالقدرة على التخطيط المالي.
تراجع طفيف على الورق
بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين 258.1 نقطة، بانخفاض طفيف بلغ -0.1% مقارنة بشهر مايو، وهو ما يشير إلى تباطؤ نسبي في وتيرة الزيادات الشهرية. ولكن لا يزال المواطن يراقب بعين حذرة، إذ إن تراجع التضخم لا يعني انخفاضًا عامًا في الأسعار، بل انخفاض في سرعة ارتفاعها.
ومع أن أقسامًا أخرى في سلة الغذاء شهدت ارتفاعًا – مثل الأسماك والفواكه والزيوت والحبوب – إلا أن الانخفاض في اللحوم والخضروات أعطى بعض التوازن.
لكن التضخم لا يعيش في سلة الطعام وحدها
على الجانب الآخر من الصورة، لا تزال هناك قطاعات تدفع منحنى الأسعار إلى الأعلى. فقد سجل قسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز زيادة بنسبة 1.2%، نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز بنسبة 2.2%، فضلًا عن زيادة في إيجارات المساكن والصيانة.
وفي قسم الرعاية الصحية، ارتفعت أسعار الخدمات والعيادات بنسبة 1.3%، ما يضع عبئًا مضاعفًا على ذوي الدخل المحدود الذين يكافحون بين لقمة العيش ودواء الشهر.
كما شهد قطاع الملابس والأحذية ارتفاعًا بنسبة 0.7%، في وقت تستعد فيه الأسر لموسم العيد والعودة للمدارس، ما يعيد المخاوف بشأن قدرة الأُسر على تلبية الاحتياجات الأساسية.
إشارات مشجعة
يرى مراقبون أن التراجع في معدل التضخم السنوي مؤشر مبدئي على بداية استقرار نسبي في حركة الأسعار، مدعومًا بتحركات حكومية لضبط الأسواق، وزيادة المعروض من بعض السلع، والتوسع في منافذ البيع المخفضة. لكنهم يحذرون من الإفراط في التفاؤل، خاصة أن التضخم لا يزال مرتفعًا بالمعايير الدولية، وأن تراجع أسعار بند واحد قد تُقابله زيادات في بنود أخرى.
“الطعام عنصر حساس، وهو ما يشعر به المواطن مباشرة. لكن لو فضلنا نغفل عن الأسعار اللي بتزيد في الصحة، والتعليم، والنقل، هنكتشف إن التضخم لسه عايش وسطنا”، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمود كمال.
المواطن أولًا
يُدرك المواطن أن التقارير الاقتصادية لا تُترجم دائمًا إلى راحة فورية في الأسواق. فالتراجع في التضخم بالنسبة له لا يُقاس بالنقاط، بل بما يستطيع أن يشتريه من دخله. في الشارع المصري، يظل السؤال الذي يدور على كل لسان: هل سيتواصل هذا التراجع؟ وهل ستُمسّ الأسعار الكبيرة التي أثقلت كاهله؟
“لو اللحمة نزلت، بس الكهربا زادت، إحنا محلك سر”، تقول منى علي، عاملة في أحد المخابز. وبالنسبة لها، “الاستقرار يعني لما المرتب يكفي من أول الشهر لآخره”.