نظام القسمة والهجمات الشرسة على الآثار المصرية
الأستاذ الدكتور أيمن وزيري – أستاذ الآثار والحضارة المصرية ورئيس قسم الآثار المصرية بكلية الآثار-جامعة الفيوم ونائب رئيس إتحاد الأثريين المصريين والمُمثِّل العام لمؤسسي الإتحاد إقليمياً ودولياً يكتب :
نظام القسمة والهجمات الشرسة على الآثار المصرية
توالت الهجمات الشرسة على التراث الحضاري المصري بصفةٍ عامةٍ والآثار المصرية بصفةٍ خاصةٍ حينما اتجه صيادو الكنوز إلى مصر طمعاً في تحقيق الشهرة ورغبةً في الثراء؛ فقاموا بنبش وتخريب ونهب المواقع الأثرية دونما حياء، كما اختاروا ما راق لهم دون النظر إلى أهمية الموقع ودون النظر إلى أهمية التسجيل والتوثيق لما تم العثور عليه وأيضاً دونما أدنى اعتبار للقيمة التاريخية والأثرية والحضارية والثقافية أيضاً.
ومن خلال نظام القسمة فقد خرجت أغلى الكنوز المصرية إلى خارج البلاد، حيث عُرِفت الفترة ما بين القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر بفترة صيد الكنوز، أي فترة التنقيب العشوائي في أماكن مُتفرقة في غيبة المنهجية العلمية مما أدى لضياع الكثير من الوثائق التي كانت كفيلة بأن تسد الكثير من الثغرات الكامنة في التاريخ والحضارة المصري القديم.
وفي ظل غيبة الوعي الأثري لدى حكام مصر في تلك القرون – والتي جاءت مقرونة بهذه الهجمة الشرسة على تراث مصر- فقد سال لعابُ العديد من الهواة والمغامرين، واستمرت عملية استنزاف مُنظمة لآثار مصر والتي إكتظت بها متاحف أوروبا وأمريكا وقصور أصحاب المجموعات الخاصة من الأثرياء في داخل مصر وخارجها، والتي تزخر بأعز ما كانت تمتلكه مصر من إرث حضاري.
ولقد ظل النزيف مُستمراً من غير هوادة في ظل هذه الظروف، بالإضافة إلى الاحتلال الأجنبي الذي يسَّر أمر تسريب تراث مصر في ظل السلطة والسلطان. وفي ظل قيادة وريادة الأثريين الأجانب للعمل الأثري كانت بعثات التنقيب عن الآثار أجنبية سواء أكانت جامعات أو متاحف، وكانت تؤدي عملها في غياب شبه تام للقوانين المنظمة لذلك، وحقيقة القول كانت هناك مراسيم تسمح لتلك البعثات من الحصول على بعض ما تعثر عليه من آثار في ظل النظام المعروف والمُسمى آنذاك بــنظام القسمة، أي قسمة الآثار بين مصر صاحبة التراث وبين البعثات الأجنبية التي تبحث عن هذا التراث.
ومن خلال نظام القسمة خرج الكثير من القطع الأثرية الفريدة، بالإضافة إلى كم هائل من الإهداءات من قبل حكام مصر آنذاك إلى ملوك ورؤساء بعض الدول الأوروبية وبعض الوجهاء من أثرياء القوم، فضلاً عن النهب المُستمر من خلال عصابات ومافيا محلية ودولية، ولقد صاحب الاهتمام بالاكتشافات الأثرية بعض الاهتمام الأكاديمي والنشر العلمي حينما اتسعت دائرة دراسة علم المصريات في دول العالم.
وبعد ثورة يوليو عام 1952م فقد انتقلت قيادة العمل الأثري لعلماء الآثار المصريين للمرة الأولى، وذلك بصدور قرار تعيين “مصطفى عامر” كأول رئيس مصري لمصلحة الآثار، وكان ذلك يوم 14 يناير 1953م، وهو اليوم الذي خصصه الآثاريون المصريون عيداً لهم، حيث يحتفلون به كل عام. ومع إنشاء الجامعات في مصر، وتولي المصريين أمر إدارة العمل الأثري، بدأ اهتمام المصريين بدراسة الآثار خارج البلاد ثم في داخل البلاد مرحلة تالية وأصبح هؤلاء بمثابة نواة العمل الأثري الميداني والأكاديمي.
ولقد صاحب عملية الكشف الأثري أيضاً عملية تخصيص بعض المنشآت التاريخية لوضع الآثار المكتشفة، ثم تبع ذلك إنشاء المتاحف الفعلية، وكان من أقدمها المتحف اليوناني والروماني بالإسكندرية، ثم المتحف المصري في القاهرة، ثم المتحف الإسلامي، والمتحف القبطي. وبعد قيام ثورة يوليو 1952م ، وحينما تخلصت مصر من الاحتلال الإنجليزي، وفي إطار الطفرة الوطنية وتعميق جذور الانتماء بدأت الرغبة تسري في النفوس للتعرف على تراث الأجداد ومن ثَّم الحفاظ عليه، ولكن بعد ضياع واندثار كم هائل من ذلك التراث يصعب علينا تعويضه.
ويناشد الدكتور أيمن وزيري الهيئات والمؤسسات المعنية بالعمل جاهداً لاسترجاع الآثار المسروقة التي خرجت من مصر نتيجة التنقيب العشوائى، والتي تميزت بها فترة القرنين السابع عشر والثامن عشر، والتي شهدت أكبر وأشد الهجمات والسرقات للآثار في ظل غياب الوعي والمنهجية العلمية، وهي المرحلة التي عُرفت بمرحلة أو فترة “صيد الكنوز الأثرية”.