جلال الدين الرومي والصوفية الروائية
جلال الدين الرومي والصوفية الروائية
كتب :حاتم عبدالهادي السيد
تحيلنا رواية ” كيميا ” للروائى المصرى / وليد علاء الدين – منذ البداية – الى التاريخ ، أدب الرحلات ، السيرة الزمانية ،عبر المكان ، لأسطورة “كيميا” ، ابنة مولانا ، التى قدمها جلال الدين الرومى قرباناً لمحبوبه شمس الدين التبريزى،لتظل برهاناً،وحقيقة،ويقيناً ،يتجسّد عبر الأزمنة والعصور.ولتظل كيميا ” اليتيمة ” ،سؤالاً مركزياً ، جوهرياً ، بل السؤال الأهم حول طبيعة العالم ، الكون ، الحياة !! .
انه / وليد علاء الدين ، ذلك المحب الكبير ، العاشق لكيميا – بعد مرور حوالى ثمانية قرون من موتها ، أو قتلها أو غيابها الأسطورى – ، فنراه يسافر فى رحلة للبحث عنها ،يجوب ردهات جبال الأناضول ، عبر الرحلة الصوفية السيموطيقية الكبرى : من دبى الى قونية بتركيا ، لتتجسد المسيرة النورانية لأدب الرحلات الشاهق . ولا غرو اذن أن نراه يصيح فى مهابة واجلال : ” جئت ملبياً دعوتك … يا جلال الدين الرومى ” .
وعبر الرواية الشاهقة، الشائكة،المثيرة، الممتعة، الملغزة ، نرى تشابك الزمان مع المكان ، واندغام الحلم مع الواقع ، الحقيقة مع الخيال ، النوم مع اليقظة ، حتى يخال للقارىء ،أنه يماهينا ويأخذنا – عنوة – عبر مركبة الزمن، الى هناك ، حيث مسيرة الحب الصوفى الكبرى ، والعشق الالهى الكبير ، والحكايات والطقوس التى تأخذ الروح الى الأنوار الكبرى: الحب عبر مدارج الهيام ، والارتقاء والصعود الى مدارج العشق الكبرى ، ورحلة الايمان الباذخة، كى نتطهر من أدران واقعنا ،ونستحم فى بحيرة الصفاء ، والبهاء الروحى المثير، ونتمتع معه بحكاية كيميا بنت مولانا الجليل ، الشاعر العاشق ، والمحب الكبير .
انها اذن ، رواية خاصة ،رحلة صحفيّة ،كلفه بها – مع اثنين آخرين – المركز العربى للأدب ، فى أبوظبى ، للكتابة عن طقوس الاحتفال بجلال الدين الرومى فى بلدته قوطية بتركيا ، ويبدو أن غرض الرحلة كان بمقصدية نشر تقارير صحفية ،بمناسبة اعلان اليونسكو لشخصية جلال الدين الرومى ،كمحتفى به فى العام الجديد ،وقد كلف المكتب معه : ثريا من المغرب ، وخليل من فرنسا ، ووليد من أبوظبى .
اذن هى رحلة عمل ، منذ البداية ،من دبى الى أسطنبول ، لوصف مشاهد الرحلة ،والطريق الى جبال الأناضول ، ركوب المترو الى كنيسة آيا صوفيا ،التى بناها الامبراطور جوستنيان ، ، وتحولت بعد ذلك الى مسجد ، ثم مسجد السلطان أحمد (المسجد الأزرق ) القابع مواجهتها ، والذى بناه محمد الفاتح ليكون أكبر معماراً وجمالاً من الكنيسة ، وغير ذلك .
لقد بدأ الرواية بخلط الحلم بالواقع ، وبتشويق السارد لمن تلبستّه أحلامه ، تصوفه اللحظى ، وكأنه لبس خرقة المتصوفة ، أو أصبح كمجذوب الحضرة الذى يخلط الحقيقة بالحلم ، الا أننا نراه يسجيل أحلامه ، يومياته ، عبراندغام الحقيقة بالخيال ، والدخول مباشرة الى قلب الأحداث حيث جلال الدين الرومى ، وابنته كيميا ، وكأن عشقه لكيميا – من جانب الراوى / المؤلف / السارد العليم – قد تلبّسه وجعله يعيش حالة الحب السيموطيقى ،عبر اندغام الرؤى ، وشطحات الصوفية ،وعالمها الذى استلبه كى يكون البطل ، محبوب كيميا ،وعاشقها ، بل حارسها الملاك كما أطلق عليه والده ، الذى كان مولعاً بسرد حكايات أهل المدينة عن انشغال مولانا الرومى بشمس الدين ، الغريب ، المحبوب .
انه عبر استعادة التاريخ ، يسرد لنا – عبر الفلاش باك ، والمثاقفة التاريخية القرائية للتاريخ – قصة كيميا ، ومولانا ، وشمس التبريزى ، وكأنه قد تماهى معهم تاريخياً ، ودخل فى اللعبة السردية ، ليكون أحد الأبطال التاريخيين ، عاشق ” بنت مولانا ” – كيميا – جميلة الجميلات التى أصبح ملاكها الحارس ، وعاشقها الأثير !! .
انها الأحلام ، الانجذابات ، جوهر الصوفية الأسنى : الحلول والاتحاد : أنا هو ، هو أنا ، أو كما يقول الشاعر محمد عثمان عبده البرهانى :
أنا فى أنا وانى فى أنا رحيقى مختوم بمسك الحقيقة.
انه الحلول الكبير ، الاندغام بالروح ، لا الجسد – كما يتوهم الكثيرون – ، والابحار مع الذات الى عوالم شتى ، الى الهيولى الكبير ، عبر السيموطيقا ،وعبر جبال البراءة ،ومستنقعات وأوحال قوطية ، عبر النور الذى يتغشّى العتمة ،لحظة الانجذاب،الحلول الكبرى للأرواح العاشقة : شمس ، كيميا ، ثم علاء الدين ذلك العاشق القديم / الجديد ، الذى يريد حقه التاريخى فى المحبة ، فى الكشف عن حكاية “كيميا” بنت مولانا الجميلة ، المشتهاة .
وعبر لعبة السرد ،والتقاريرالصحافية ، التى كان يرسلها وليد الى نورى ،ليجهزها للنشر فى الصحيفة ،نراه يكسر الحائط الوهمى الرابع ،لمسرح السرد التاريخى الشاهق ، وكأنه يخترق مسروديات التاريخ ،ليعيش داخله ،عبر ثمانية قرون ، ونعيش معه كقرّاء ، فى قلب الأحداث ، نعايشها ، ونتلمّسها ، نستنطق شخصياتها ، وندخل الى جوهرها ،عبر تشاركية الذات الساردة ، والقارىء ، لنخشّ من باب مسجد،ومتحف،وضريح، ومولوية مولانا جلال الدين الرومى عبر بوابة السرد ، لنعايش الأحداث التاريخية ، ولنحاول أن نجد اجابة عن أسئلةكبرى عن : حياة كيميا الغامضة ، مولانا ،علاء الدين ، شمس ، جحا ، أبى يزيد البسطامى ،الذى وصفه ككوب ماء – فى العشق الالهى – ، بينما سيدنا محمد كان محيطاً: ” من ذاق عرف ” ، وغير ذلك .