حاتم عبدالهادى السيد يكتب:ثقافة التنوير والنهضة الثقافية العربية

حاتم عبدالهادى السيد يكتب:ثقافة التنوير والنهضة الثقافية العربية
إن التنوير الثقافي يأتى بالتمسك بالهوية العربية؛ والتي عمادها ” اللغة العربية “، ” الحضارة الإسلامية”، والثقافة العربية الرصينة التى علّمت العالم عبر عصور ظلاماته، وظلامياته، وإلا فماذا قدمتم يتنويركم، وانفتاحكم – دون المشروط –على الآخر، هل تم تثبيت هويتنا العربية ، أو اعلاء لآدابنا، وقيمنا، أم أننا لاقينا بفضل تمذهباتكم، كل عنت، وتمايزية حتى أصبحنا ” تابعين ومقلدين للغرب الإستعمارى” الذى بعث جيوشه ليجزأ أوصالنا العربية عبرخطط ما يسمى ” الربيع العربى “؛ و ” الشرق الأوسط الجديد ” وهى خطط دبرت بليل إمبريالى ” صهيو أمريكى ” لنهب ثروات العرب، وإضعاف قوتهم، وتشتيت وحدتهم فيما سمى – عبثاً – بالجامعة العربية، والوحدة، والقومية، وهى – وإن كانت أهدافاً نبيلة – إلا إنكم – كتنويريين – كما زعمتم – ناهضتموها، بل وتعاليتم عليها، ووسمتم من يخالفكم الرأى ” بالظلاميين” ، أو ” الرجعيين، أو ” المتخلفين، لذا لا غرو أن وجدنا العالم يطلق علينا : ” دول العالم الثالث” ، أو ” الدول المتخلفة ” ، وكل هذا – كما أرى بسببكم وانجراركم نحو الغرب، وابتعادكم عن ” الهوية ” ، و ” الإنتماء ” بل تماهيتم مع الشركات العابرة للقارات ؛ووسائط الهدم الثقافى بإسم التنوير لتفتئتوا – وما زلتم – حضارة مجيدة للغرب على حساب عروبتنا وقوميتنا وحضارتنا العريقة، التى تمتد لسبعة آلاف عام ميلادى، ولأربعة آلاف عام هجرى بحكم التاريخ المضىء للحضارة المصرية والعربية، والمجد والخلود لتاريخ المصريين التليد كذلك ؟! .
لقد آن الأوان لقيام نهضة ثقافية، ووعى عربى جمعى، بدلاً من الإرتماء في أحضان الصهاينة، و ” التطبيعيين” ، وتقسيم الصف، وحملات التخوين والتشكيك في من يقومون بالنهضة المستنيرة، والفكر المستنير للعرب 20/30، 20/50 ، وتلك لعمرى أفكار عظيمة في ذهن باعث النهضة المصرية من جديد، والرمز السياسى الذى يمثل أعلى سلطة حاكمة أنقذت البلاد من تشرذمات وتشددات وانجرار ؛نحو تقسيم المجتمعات إلى طوائف، وعودة إلى نظام خلافات قديمة مزعومة، وتمذهبات وأفكار بائدة.
إن الثقافة بمفهومها الشامل تخلط الكل في بوتقة، وأعنى لا فصل بين دين وسياسة؛ ولا ثقافة ولا تمذهبات، بل نحن كلنا يجمعنا دين مستنير، وحضارة عريقة، ودولة مدنية عصرية، ولغة عربية – لغة القرآن الخالدة – مشتركة، ودم ينطق بالوطنية، والتي جسدها الشاعر العربى القومى الشاهق حين قال :
بلادى وإن جارت علىَّ عزيزة وأهلى وإن ضنوا علىَّ كرام .
أنها ثقافة الوحدة التى توحد، لا تفرق، وتجمع لا تشتت، وتتباين فيها الرؤى ، ويحكمها معيار ، وشريعة وفقه وأصول ، ودولة عصرية تجابه المدنيات الأخرى، لنلاحقها بعد أن أرجعنا الذين وسموا أنفسهم بالتنويرين مئات السنوات إلى الخلف، وأعنى هنا – النقاد الكبار كما يطلقون على أنفسهم- : ” آلهة النقد “،” الآباء الشرعيون” أصحاب الكلمات التى غللوها بقداسة ، وسلطة، وسطوة، وشللية، وجماعات، فهل آن الأوان لنقف ، ولنبدأ من جديد ؟
وقد يقول قائل : لقد حدت عن الموضوع، ولكننى أقول لكم : ” إن الحديث عن جانب من جوانب المجتمع يستدعى منا اضاءة كافة الجوانب لنقف إلى أين نحن، ولنعرف موضع قدم لنا ، وهل هو موجود فعلاً هذا الموضع، في العجلة الكونية الحضارية الآن ؟! .
أقول : نعم، وعلينا أن نلحق، فإذا بدأنا سنسود بالقيم في عالم اللاقيم – الآن – فلا ضمير عالمى يحكم العالم – كما يتشدقون، ولا ديمقراطية، أو حقوق للشعوب الفقيرة، فالعالم غابة كبرى تتغول على حيواناتها الضعيفة، وإذا لم تستأسد – في هذا العصر – أكلتك الأسود، وإذا لم تستذئب نهشت عرضك الذئاب، وأهدتها إلى الثعالب، ولعل أقل ما شاهدناه ونشاهده ” حملات الإستهزاء بنبينا العدنان الكريم “، وبنا كمسلمين، وعرب، عبر رسومات العار الفرنسية التى تتشدق بإسم ” حرية الرأى ” ؛ ولكننا نقول لهم ” حريتكم تقف عند حرية الآخرين” ، والنِّدِّيَة هى العلاج الناجع للعرب والمسلمين، ولن تقوم للعرب هيبة إلا باتحادهم، وشروعهم للعمل،والإتحاد؛ واعادة الإعتبارية لماهية الحضارة والعروبة؛ ، والقوة كذلك .
أقول : لقد ارتمى كثير من المثقفين – الذين نصفهم بالكبار الآن، وكذلك الراحلين منهم – في حجر الغرب، وتلقفهم هؤلاء فأفسدوا وهم يظنوا انهم يصلحون، بل وتماروا في مهاجمة تراثنا العربى، وحضاراتنا على حساب أنفسنا، فهنا على أنفسنا، فضعفنا، وتمكنوا من غزونا ثقافياً ، قبل الغزو على الأرض والحروب، وهو أخطر أنواع الإستعمار .
ويقينى ان الثقافة تشكل هوية المجتمعات، لذا على الجميع كل في مجاله أن يقف وقفة، لنصحح كل أخطاء الماضى، من أجل مستقبل وغد أفضل لأجيالنا ،وأطفال عالمنا العربى الممتد .
ونحن في واقعنا النقدى والأدبى يتوجب علينا أن نقف في وجه من يتقولون على سبيل المثال : ” بعدم وجود نظرية نقدية عربية” ، أو بعدم وجود ” فكر عربى” أو فلسفة عربية ، وغير ذلك، فلكل طروحاته وآراؤه، وإن كنت بداية أرفض النظرية كقالب، لكنى أقبلها كسمة، وثيمة تنظم العملية الأدبية والنقدية معاً ، لكنها لا يجب أن تكون منهاجاً عاماً ، وإلا فليجبنى المتشدقون من الأكاديميين، والنقاد التنويرين الحداثيين : هى المبدع عندما يكتب يضع في ذهنه النظرية الأدبية عند الكتابة؟ ثم هل يعرف غالبية المبدعين ” النظريات الأدبية ” ويضعونها حتى في ذهنياتهم أثناء الشروع في كتابة قصيدة، أو قصة، أو رواية على سبيل المثال ؟! .ثم هل يمكن للكاتب أن يقول : نويت أكتب قصيدة عمودية، أو نويت أكتب رواية بنيوية، أو تفكيكية، أو سيموطيقية ؟.
والسؤال كذلك للنقاد : هل ينفع أن يقول الناقد : نويت أن أقوم بنقد العمل حسب البنيوية، أو الرومانسية، أو الواقعية ؟ أم أن النص هو الذى يطرح ماهيات الكتابة عنه حسب رؤاه التى تشكلت داخله، والتي تصهر كثير من المدارس والنظريات الأدبية داخله؟ ثم هل هناك معيارية ثابتة للنقد الأدبى ، أو بمعنى آخر هل هناك طريقة ثابتة للتعامل مع المنتج الأدبى، والذى هو في الأساس منتج انسانى متغير ومتحول، بمعنى أن نطبق طريقة ثابتة، أو منهاجية، أو نظرية على هذا النص أو ذاك ؟!! .
وللأسف وجدنا الكثيرين يتشدقون بأنهم ” النقاد الكبار”؛ و ” الشعراء الكبار “،0فهذا يباهى بأنه ” ناقد حداثى”، وذاك يتعالى في جلسته، ويضع قدماً فوق أخرى ؛ويقول – وبكل فخر- وجهل كذلك، : أنا ناقد بنيوى، أو تفكيكى، أو سيميائى، فهل ما يكتب في بادية سيناء – مثلاً – التى أعيش فيها – يتطابق مع ما يكتب في واحة سيوة، أو في بادية مطروح، أو في ” مصر الجديدة” أو لدى ” سكان العشوائيات ” ؟! ، وبمعنى أدق هل هناك معايير ثابتة للكتابة، كى نثبت معيارية ثابتة للنقد كذلك؟!.
إن الأسئلة كثيرة، وذات شجون.