مقالات

تأصيل منهجى للقصة الومضة ..قراءة تطبيقية

بقلم حاتم عبدالهادى السيد

 

 

يبدو مصطلح القصة الومضة حديثاً نسبياً على الذائقة الأدبية لكتاب ونقاد القصة العربية ، حيث أن هذا اللون الاجناسى يمثل على صغر تكوينه صورة أكثر تكثيفاً للقصة القصيرة جداً ، لذا أسميناها القصة الومضة أو الكبسولة القصصية أو الشذرة ، ولكن لذيوع وانتشار كلمة الومضة باعتبارها ومضة خاطفة مثل البرق الخاطف أتفق على تسميتها القصة الومضة ، وقد قدمنا من قبل عدة تعريفات لها ولبنيتها التكوينية ، كما ساهمنا فى التأصيل لها واستشراف بعض سماتها وخصائصها الفنية ، علماً بأن هذا اللون الأدبى بدأ من مصر وانتشر بالاتساق والتوازى فى عدة أقطار عربية كالعراق وسوريا ودول المغرب العربى ولبنان وغيرها . واذا ما عرفنا أن هذا الشكل الاجناسى لا يتعد العامين بالنسبة لظهورهوتكوينه لأدركنا حجم المسئولية التى تقع على الناقد والمبدع معاً للتأصيل لهذا الشكل القصصى الجديد والذى ساهمنا وعملنا منذ البداية على تشجيع المبدعين للتجريب فى هذا الشكل وكم كانت النتيجة مبهرة خلال وقت قصير اذ انتشر هذا النوع انتشاراً واسعاً لم نتوقعه مما حدا بنا – وغيرنا من الرواد فى هذا المجال – أن نضع له أسساً وخصائص وبنياناً مخصوصاً لنفرق بينه وبين القصة القصيرة جداً أو الابيجراما القصصية ولنبعده عن فن التوقيعات والحكم والأمثال والكلمات المأثورة ليتشكل فناً قائماً بذاته ، أو رافداً من روافد وأشكال القصة العربية التجديدية مراعين تطورات العصر وسرعته المتلاحقة ، ومتكئين على لغتنا العربية الموحية ، وعلى تراثنا البلاغى والجمالى لنقدم منجزاً يأخذ بالأصالة ويستشرف لها حاضراً ، ويأخذ بالمعاصرة ليستشرف لها مستقباً حداثياً لتجديد الثوب والنسيج القصصى ليجابه سمات العصر ويسايره ، ويقدم منتوجاً ومادة تضيف لفن القصة العربية ، ذلك الفن الذى بدأ – كما نحسب – يشيخ ويعتمد على السمات التكوينية من مقدمة وعقدة وصراع وحل وغير ذلك من سمات القصة التقليدية ، كما أن هذا الشكل الجديد يتواكب مع موجات الحداثة وما بعد الحداثة والشكلانية والبنيوية والتفكيكيكية والتركيبية وغيرها من المدارس الابداعية وحسبنا فى تقديم هذه النماذج أن نكون قد أضفنا جديداً ، أو قدمنا لبنة فى صرح الحداثة القصصية لتثوير المنتوج القصصى بشكل أكثر عصرية وبما يفى بمتطلبات العصر والمجتمع والحياة .

ان القصة الومضة فى تقديرى هى المعول والمدخل لاكتشاف أشكال جديدة تجريبية ، اذ اللغة العربية وتراثنا الحضارى والثقافى واللغوى والجمالى يستوعب كل جديد ويسايره ولا يقف عند مرحلة أو عقد أو جيل أو نموذج معين كى لا يصاب تراثنا الثقافى بالوهن ولنجرب طالما كانت الغاية نبيلة والمقصد لخدمة الثقافة والابداع العربى .

وأحسب أن القصة الومضة لها طرائق بنائية للكتابة ، لذا فلابد أن تسايرها حركة نقدية ذات طرائق مخصوصة تجابهها وتسايرها كى لا نجد أنفسنا – حتى فى مضمار النقد – متكئين على تراثنا النقدى فحسب – بل نساير كل تقدم فى مجالات النقد ولنستفد من الاتجاهات الحديثة للنقد العربى وغير العربى كى نقدم ابداعاً يرتقى بالمنتج الأدبى ، يساير العصر ويسابقه ولا يقف عند مرحلة زمانية أو مكانية بل يستشرف آفاقاً كتابية ونقدية جديدتين وبالتالى يتجدد الثوب الابداعى العربى فيما نحسب .

لقد أشرنا من قبل أن الومضة لها عنوان ولها قسمان أو جزءان ، يفصل بينهما فاصلة وتنتهى بنقطة ، ولا تجاوز عدد كلماتها – كما اتفق الكثيرون – على ثمانى كلمات – وان جعلتها تصل الى اثنتا عشرة كلمة ولا تجاوزها –كى نفصل بينها وبين القصة القصيرة جداً ، كما تعتمد المفارقة بكل أشكالها منهاجاً وأساساً ، كما تتكىء على تشاركية القارىء فى التخييل ومشاركته المبدع فى التصور ، كما تعتمد التكثيف والاختزال والانتقائية فى الجمل الموحية والمعبرة وكل ذلك لعمرى من سمات الابداع الجيد ، وليس الأمر كما نرى تغييراً فى الشكل فحسب بل فى المضمون كذلك ، لذا اعتمدنا هذا الشكل القصصى كأنموذج لفن جديد ، أو يضاف الى مسيرة القصة العربية وهذا هو ما أميل اليه وأحسبه صواباً .

سيظل كل جديد يواجه بانتقادات وثورة ، وربما رفض كذلك لكن يقيننا أن هذا الشكل أو الرافد الجديد يأخذ من معين تراثنا أساس بنائه ويستفيد من المنجز الثقافى الحداثى العصرى لذا انحزنا له وننحاز الى ما هو جديد شرط أن تكون الثقافة العربية واللغة العربية ، وثوابتنا الوطنية والقومية وقيمنا وتراثنا هم المعين لأى تقدم لأن أى تقدم مقطوع الجذور هو تقدم الى الخلف ، ونحن هنا نقدم الحداثة والقصة الومضة فى شكل حداثى تجديدى سريع ومكثف وهادف ويحمل قضايانا المجتمعية وأحلامنا ولنتواشج مع التقدم فى الكون والعالم والحياة .

ولنا أن نقدم بعض هذه النماذج من قصص الومضة ، اخترناها عشوائياً ، وليس بشكل انتقائى بالطبع ، وان كنا قد اخترناها من عدة دول الا أنها تحاول أن تكون شكلاً للحديث عن الوطن أو قضايانا العربية كقضية فلسطين ، وذلك لنلفت نظر النقاد لتقديم نماذج ذات اتجاه محدد لنبدأ بتصنيف الومضات الوطنية ، وأخرى التى تتحدث عن القيم الانسانية ، أو التى تناقش مضامين وقضايا اجتماعية ، أو التى تشير الى قضايا ملحة ، أو ظواهر كونية او غير ذلك لنحدد للومضة آفاقاً وأطراً أكثر اشراقاً ، وان اتضحت معالمها – كما أرى – الا أننا نحتاج الى البدء بعمق فى الاتفاق على سمات عامة وخصائص نصوغها كنقاد لنحدد ماهية هذا الشكل الجديد ، أو هذا اللون الفنى الابداعى القصصى ، ولنا أن نعرض أولاً بعض هذه النماذج ثم نعقب بالدرس والتحليل غير متكئين على منهجية نقدية ، أو مدرسة أدبية بل نؤمن أن الابداع يصنع منهجياته ومدرسته وشكله بحسب كل ومضة أو قصة تقدم واليكم بعض النماذج من أماكن ودول متفرقة فى الوطن العربى لنلحظ كذلك أى اختلاف فى السمات الابداعية حسب اختلاف البيئات ، وان كنت لم ألمح هذا الاختلاف فى هذه النماذج ، وربما لأؤكد عالمية الابداع ، أو أن التقنيات الحديثة للتقدم التكنولوجى كالأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى قد ذوبت الفوارق وقربت المسافات مما جعلت هذا الشكل ينمو فى وقت أقل وبعناية واقتدار وسموق أيضاً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى