ما السر وراء رفض حماس صندوق المساعدات الأمريكي GHF؟..ولماذا وصف ب”صندوق الموت”؟

كتبت: رانيا سمير
في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، أعلنت حركة “حماس” فجر اليوم رفضها الرسمي لصندوق المساعدات الأمريكي المعروف باسم GHF، الذي تديره جهات أمريكية بالشراكة مع منظمات دولية. القرار، الذي يأتي في وقت يعيش فيه قطاع غزة واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية، لم يكن مفاجئًا لبعض المراقبين، لكنه سلّط الضوء مجددًا على التوتر القائم بين الجهات الدولية المانحة والسلطات المحلية في القطاع.
بحسب مصادر مطلعة داخل الحركة، فإن رفض “حماس” ينبع من خشيتها من أن يؤدي هذا الصندوق إلى تقويض سيطرتها على الميدان الإنساني، إذ ترى أن إدارة الصندوق من قبل أطراف أمريكية تعني بالضرورة خضوع توزيع المساعدات لرقابة خارجية مباشرة، وهو ما قد يضعف قدرة المؤسسات المحلية – سواء الرسمية أو التابعة للحركة – على إدارة هذا الملف الحساس، بل ويهدد نفوذها المجتمعي والشعبي.
الرفض لم يكن فقط على أساس إداري أو سيادي، بل حمل أيضًا بعدًا أمنيًا. فالحركة تشتبه بأن المنصة التي تقدم نفسها كإطار إنساني، قد تكون في الواقع غطاءً لجمع معلومات استخباراتية أو محاولة اختراق للتركيبة المجتمعية والاقتصادية في غزة، خاصة مع تورط جهات مرتبطة مباشرة بالإدارة الأمريكية في الإشراف عليها. هذا التخوف الأمني يأتي في ظل تجربة طويلة من العلاقات المتوترة بين واشنطن والحركة، وسياق إقليمي بات معقدًا إلى درجة يصعب فيها فصل المساعدات عن الأجندات السياسية.
كما عبرت “حماس” عن قلقها من التأثير المدمر الذي قد يحدثه وجود صندوق مستقل على المؤسسات المحلية العاملة في المجال الإنساني. فاعتماد السكان على آلية خارجية للتوزيع من شأنه أن يضعف هذه المؤسسات التي بُنيت خلال سنوات الحصار والمعاناة، ويقوّض شبكات التضامن المجتمعي التي تشكل جزءًا مهمًا من النسيج المحلي.
لكن الرفض الأكبر والأكثر حساسية – وفق تعبير الحركة – يتعلق بالخوف من فرض واقع سياسي جديد على غزة من خلال هذا الصندوق. فثمة من يرى في إنشاء الصندوق بداية لهندسة جديدة للوضع في القطاع، تمهد لتشكيل سلطة بديلة أو إدارة لا تتبع لحماس، خاصة في سياق ترتيبات ما بعد الحرب والضغوط الإقليمية والدولية المستمرة لفصل المسار الإنساني عن السياسي. وهو ما تعتبره الحركة استهدافًا مباشرًا لوجودها.
وفي السياق نفسه، كشف موقع “والا” العبري في وقت سابق، أن نحو 130 منظمة إغاثة دولية طالبت بإغلاق صندوق GHF فورًا، متهمة إياه بانتهاك قواعد العمل الإنساني وتعريض حياة ملايين الفلسطينيين للخطر. وأشار الموقع إلى أن أكثر من 500 فلسطيني استشهدوا أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات، في ظل شهادات لجنود إسرائيليين أفادوا بأنهم يطلقون النار بشكل روتيني على المدنيين عند اقترابهم من تلك النقاط.
هذا الاتهام الخطير لا يقف عند حدود الرواية الإعلامية. فوكالة الأونروا، إحدى الجهات الدولية الأكثر انخراطًا في العمل الإغاثي داخل غزة، أكدت بدورها أن الآلية الإسرائيلية الأمريكية الجديدة لتوزيع المساعدات تحوّلت إلى “حقل للموت”، مشددة على أن الأمم المتحدة – بما في ذلك الأونروا – هي الجهة الوحيدة القادرة على ضمان وصول آمن وفعّال للمساعدات.
من جهته، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الآلية المدعومة أمريكيًا بأنها “غير آمنة بطبيعتها”، محذرًا من أنها تتسبب في مقتل المدنيين بدلًا من إنقاذهم. ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 400 فلسطيني قُتلوا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات منذ أن رفعت إسرائيل جزئيًا الحصار في 19 مايو الماضي، ما سمح باستئناف دخول شحنات محدودة من الغذاء والدواء.
وبينما تستمر المفاوضات على طاولات السياسة، وتتنازع الأطراف الدولية والإقليمية على آليات التدخل، يبقى المدني الفلسطيني – كالعادة – الحلقة الأضعف، يتعرض للخطر كلما اقترب من شاحنة مساعدات، أو بحث عن كيس طحين، أو انتظر بصيص أمل في طابور الإغاثة.






