الدكتورة أميرة حجازي تكتب :الهجرة إلى الخارج.. حلم الشباب العربي بين الأمل والواقع
الهجرة إلى الخارج أصبحت واحدة من أكثر القضايا تداولاً بين الشباب العربي في السنوات الأخيرة. يحمل الكثيرون آمالاً كبيرة بمستقبل أفضل وراء الحدود، حيث تتراءى لهم صور النجاح والاستقرار. لكن بين هذا الحلم والواقع الذي ينتظرهم، يبرز طريق مليء بالتحديات التي تستحق التأمل.
دوافع الهجرة: بين الطموح والضرورة
لا تأتي الرغبة في الهجرة من فراغ، بل تدفعها عوامل متعددة ترتبط غالبًا بالواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب. البطالة المرتفعة في معظم الدول العربية تُعد العامل الأساسي، إذ يجد الشباب أنفسهم أمام فرص محدودة لا تتناسب مع طموحاتهم أو مؤهلاتهم. أضف إلى ذلك الأزمات السياسية وعدم الاستقرار الأمني في بعض المناطق، ما يجعل الهجرة خيارًا قسريًا للبحث عن حياة أكثر أمانًا.
على الجانب الآخر، هناك طموحات تتجاوز الحاجات الأساسية، مثل البحث عن تعليم متقدم، أو بيئات تقدر الكفاءات، أو حتى الحرية الشخصية التي قد تكون مقيدة في بعض المجتمعات.
الأمل الذي يدفع الشباب
الهجرة تمثل للكثيرين بوابة للنجاح وتحقيق الذات. يعتقد الشباب أن الخارج يقدم لهم فرصًا واسعة لتحقيق أحلامهم. الوظائف الجيدة، الرواتب المرتفعة، ومستوى المعيشة المريح كلها عوامل تجعل الهجرة تبدو خيارًا مثاليًا. هذا الأمل يتغذى أيضًا من القصص المتداولة عن مهاجرين تمكنوا من تحقيق نجاحات باهرة في مختلف المجالات.
الواقع المعقد للهجرة
لكن خلف هذا الأمل تختبئ تحديات كبيرة. الكثير من المهاجرين يجدون أنفسهم يعملون في وظائف متواضعة لا تتناسب مع مؤهلاتهم. هناك أيضًا صعوبات تتعلق بالاندماج الثقافي والاجتماعي، حيث يشعر المهاجر بالغربة وصعوبة التأقلم مع بيئة جديدة تختلف في عاداتها وقيمها.
كما يواجه البعض عقبات قانونية تتعلق بالحصول على الإقامة أو العمل، ما يجعل حياتهم غير مستقرة. إضافة إلى ذلك، يظل الحنين إلى الوطن عاملاً نفسيًا يثقل كاهل الكثيرين، خاصة عندما يجدون أن الحياة في الخارج ليست بالسهولة التي تخيلوها.
تأثير الهجرة لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد ليشمل المجتمعات بأكملها. هجرة الكفاءات الشابة والعقول المبدعة تُضعف التنمية في الدول العربية، حيث تفقد هذه الدول جزءًا مهمًا من طاقتها البشرية التي كان يمكن أن تساهم في تحسين أوضاعها.
التوازن بين الحلم والواقع
الهجرة ليست حلاً دائمًا للمشكلات، بل هي قرار يتطلب وعيًا وتخطيطًا جيدًا. على الشباب أن يدركوا أن الخارج ليس بالضرورة المكان المثالي لتحقيق أحلامهم، وأن النجاح يتطلب جهدًا أينما كانوا. وفي المقابل، على الحكومات العربية مسؤولية توفير بيئة جاذبة للشباب، تتيح لهم تحقيق طموحاتهم داخل أوطانهم، من خلال تحسين الاقتصاد، خلق فرص عمل، ودعم التعليم والابتكار.
الهجرة حلم مشروع، لكنها ليست دائمًا الخيار الأفضل. بين الأمل الذي يدفع الشباب نحو الخارج والواقع الذي ينتظرهم هناك، يبقى الخيار مسؤولية فردية تحتاج إلى توازن ووعي. فالشباب هم ثروة الأوطان، واستثمار هذه الثروة محليًا هو الطريق الحقيقي للنهوض بالمجتمعات العربية.