العاشر من رمضان: انتصار الجيش المصري وتحطيم أسطورة خط بارليف

على مر العصور، صنع المصريون العديد من البطولات التي خلدها التاريخ، وأصبحت دروسا تدرس في كافة أنحاء العالم. ومن أبرز تلك البطولات، ذلك الانتصار الذي ظل خالدا إلى يومنا هذا: انتصار العاشر من رمضان، الذي تحقق في السادس من أكتوبر 1973، ويعد من أعظم الانتصارات العسكرية التي شهدها العالم. لقد كانت تلك اللحظات التاريخية هي ذروة ملحمة عبور القوات المصرية لتحطيم خط “بارليف”، ذلك الخط الذي كان يُنظر إليه على أنه حصن لا يُقهر، ويُعد الأسطورة الزائفة التي آمن بها الجيش الإسرائيلي لفترة طويلة.
قبل حرب أكتوبر، كان وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه ديان، قد صرح قائلا: “خط بارليف سيكون الصخرة التي تتحطم عليها عظام المصريين، وسيكون مقبرة الجيش المصري”. لكن تلك الكلمات لم تكن سوى محاولات لزرع الخوف في نفوس المصريين، حيث أثبتت قواتهم عزيمتها وإصرارها على تحطيم الخط في زمن قياسي بلغ 6 ساعات فقط، لتظل صور لحظة العبور خالدة عبر الأجيال.
الأسطورة العسكرية الزائفة
كان خط بارليف حصنا عسكريا متطورا بني على ضفاف قناة السويس بعد حرب يونيو 1967. وامتد على طول 110 كم، محتوياً على 36 نقطة حصينة، المسافات بينها لا تتعدى الكيلومتر. كانت كل نقطة من نقاط الخط مزودة بكافة التحصينات العسكرية، بما في ذلك دشمة للرشاشات، ملجأ للأفراد، أسلحة مضادة للدبابات، مرابض مدفعية ودبابات، بالإضافة إلى حقول ألغام وأسلاك شائكة. ويُذكر أن هذا الخط تم إنشاؤه ليكون غير قابل للاختراق، إذ كانت تحصيناته الخرسانية العميقة وقضبانه الحديدية مصممة لتحمل الضربات الثقيلة، حتى أن الخزانات المملوءة بالوقود القابل للاشتعال كانت قادرة على تحويل سطح القناة إلى جحيم من النيران.
وتجاوز التوقعات العسكرية التي كانت تشير إلى أن اختراق هذا الخط سيكون شبه مستحيل، حيث كان يعتقد معظم الخبراء العسكريين أن العبور سيكون محكومًا بالدماء الغزيرة والضحايا الكثر. إلا أن القيادة المصرية آنذاك كانت على قدر التحدي، وابتكرت حلولاً غير تقليدية للتمكن من اقتحام هذا الحصن.
ملحمة العبور
في قلب هذا التحدي، جاءت العبقرية المصرية، حيث اقترح اللواء المهندس باقى زكى يوسف استخدام مضخات مياه عالية الضغط لإزالة الرمال وفتح الثغرات في الساتر الترابي. وقد تم تنفيذ هذه الفكرة بمهارة واحترافية، ليتمكن الجيش المصري من فتح عدة ثغرات واسعة لعبور الدبابات والمجنزرات.
في صباح السادس من أكتوبر، بدأت القوات المصرية الهجوم على خط بارليف في لحظات تاريخية. حيث عبر أكثر من 30 ألف جندي مصري عبر الخط في ثلاث ساعات فقط. في الوقت نفسه. شن أكثر من ألفي مدفع ثقيل قصفًا عنيفًا على مواقع العدو. بينما عبرت سماء القناة 280 طائرة حربية لضرب مراكز القيادة الإسرائيلية، مما أدى إلى شل قدرات العدو على الرد بشكل فوري.
وفي غضون ساعات قليلة، دمر الأسطورة، وتحول خط بارليف من قلعة حصينة إلى أطلال تحت أقدام الجنود المصريين. وفي هذه اللحظات، كان الجيش المصري قد فجر أسطورة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر”، ليبدأ العد التنازلي لانكسار العسكرية الإسرائيلية.
دور البحرية المصرية في تحقيق النصر
لم يكن النصر محصورا في البر فقط، بل لعبت البحرية المصرية دورا محوريا في دعم الهجوم البري. فقد نفذت البحرية العديد من المهام التي ساعدت في حماية القوات البرية المتقدمة على جبهة القتال. بما في ذلك القصف البحري والدعم اللوجستي. ولعبت العمليات البحرية دورًا كبيرًا في تأمين نجاح العبور وتوفير الحماية للقوات المصرية من أي تهديدات قد تنشأ.
انتصار العاشر من رمضان
وبختام ملحمة العبور، أسدل الستار على “أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر”، ليحفر التاريخ اسم الجيش المصري في ذاكرة العالم كأحد أعظم جيوش الأرض. كان انتصار العاشر من رمضان بمثابة بداية الانكسار للمفهوم العسكري الإسرائيلي، وبداية لحقبة جديدة من الكبرياء والكرامة للمصريين.
ظل هذا النصر مصدر فخر واعتزاز لجميع العرب والمسلمين، ويمثل بالنسبة للمصريين رمزا للقدرة على تحقيق المستحيل بالعزيمة والإرادة. ومهما مرّت السنوات، سيظل يوم السادس من أكتوبر مصدرًا للمجد والعزة في تاريخ العسكرية المصرية، نقطة فارقة يكتبها التاريخ بأحرف من نور.