أخبارتقارير و تحقيقات

“المجلس الأعلى للثقافة… الأعلى سنا؟” أعمار الأعضاء تفتح باب التساؤلات

كتبت: رانيا سمير

أثار إعلان التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، موجة واسعة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما لاحظ متابعون وناشطون أن غالبية الأعضاء الجدد من كبار السن، والتي تراوحت بين أواخر السبعينات والتسعين عاما، مع الإعلان عن الأسماء لا يمكن أن تحجب الأسئلة الحقيقية التي تفجرت مع الكشف عن الأسماء: أين الشباب؟ وأين التمثيل الحقيقي لجيل يعيش اليوم تحديات مختلفة ويصوغ رؤيته الخاصة للثقافة؟

 

يضم التشكيل الجديد أسماء بارزة مثل أحمد عبد المعطي (90 عامًا)، ومفيد شهاب (89 عامًا)، وعلي الدين هلال (84 عامًا)، وأحمد زاهد (77 عامًا)، ومحمد صابر عرب (77 عامًا)، بالإضافة إلى أسماء أخرى تتراوح أعمارها بين منتصف الستينيات وحتى الثمانين. ورغم ثقل العديد من هذه الشخصيات في المشهد الثقافي أو الأكاديمي، إلا أن التركيبة العامة بدت – بنظر كثيرين – وكأنها تؤكد على عقلية “التدوير لا التغيير”، وعلى استمرار إقصاء الأجيال الشابة من المواقع المؤثرة في صنع السياسات الثقافية.

 

لم يكن الاعتراض موجهًا للعمر في حد ذاته، بقدر ما كان انتقادًا لغياب التنوع العمري والفكري عن مجلس يُفترض أنه الأعلى ثقافيًا في البلاد. فالمجلس لا يعكس فقط هوية المثقفين، بل يوجه – عبر لجانه – سياسات النشر، والدعم، والجوائز، والبرامج الفكرية. وإذا ظل هذا المجلس مغلقًا على جيل واحد، كيف يمكن له أن يصوغ سياسات تمس أجيالًا لم تولد حين بدأت مسيرات بعض أعضائه؟

 

في المقابل، دافع البعض عن التشكيل باعتباره يضم أسماء “ذات تاريخ” وخبرة طويلة، قائلين إن الثقافة لا تشترط شبابًا بيولوجيًا، بقدر ما تحتاج إلى عقل نقدي حي، وإن كثيرًا من المبدعين الكبار أنتجوا أهم أعمالهم في مراحل متأخرة من العمر. غير أن هذا الرأي لم يمنع الانتقادات من التزايد، خصوصًا أن الغياب الشبابي لم يكن فرديًا، بل جماعيًا تقريبًا، مما يعكس نمطًا ممنهجًا لا مجرد مصادفة.

 

اللافت أيضًا أن بعض الأسماء التي تم تعيينها كانت حاضرة في مشهد السياسات منذ عقود، وهو ما فتح بابًا آخر من الأسئلة: هل الثقافة في مصر تُدار من نفس الدائرة المغلقة منذ السبعينيات؟ وهل هناك نية حقيقية لضخ دماء جديدة أم أن “الاستمرارية” باتت تعني “التكرار”؟

 

ومع أن “المجلس الأعلى للثقافة” لا يمثل بالضرورة كل الحركة الثقافية في مصر، فإنه يظل واجهة رسمية كبرى، ومؤشرًا لخيارات الدولة الثقافية. ومن هنا، تصبح مسألة التنوع العمري والمهني داخله ضرورة لا ترفًا، خاصة في بلد يعيش تحولات سريعة في الذوق العام، وانتشار ثقافة رقمية تفرض أسئلة غير تقليدية على مفاهيم “المثقف”، و”المحتوى”، و”الرسالة الثقافية”.

 

ردود الفعل الساخرة لم تغب بدورها، فانتشرت عبارات مثل “مجلس حكماء وليس مجلس ثقافة”، و”العمر مجرد رقم بس الوظيفة محجوزة”، و”الثقافة عندنا بالميلاد مش بالكفاءة”، وهي تعليقات تعكس – ولو بمبالغة – حجم الفجوة بين الواقع الشبابي والتمثيل المؤسسي.

 

بعيدًا عن السخرية، تبقى الحقيقة الأوضح أن غياب التمثيل الشاب في كيان بهذا الحجم لا يمكن فصله عن غياب الإرادة السياسية لضخ وجوه جديدة. فالطاقة ليست في السن وحده، لكن في الأفكار، والانفتاح، والقدرة على الاستماع والتجديد.

 

قد يكون من المبكر الحكم على أداء هذا التشكيل، لكن المؤشرات الأولية تقول إن “الاستمرارية” طغت على “التمثيل”، وإن “العمر” – حتى لو كان مجرد رقم – لا يجب أن يصبح عنوانًا لاحتكار المنصب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى