مقالات
أخر الأخبار

الحكايات الشعبية والخرافية والمرأة في كتابات الباحث السيناوي / مسعد بدر

 

كتب : حاتم عبدالهادي السيد :

أصدر الباحث السيناوي / مسعد بدر عدة كتب عن الزير سالم؛ الحكاية الشعبية في سيناء؛ والحكايات الخرافية؛ الزير سالم؛ وغيرها.

ويعد مسعد بدر من كُتاب الأدب الشعبي وجامعي السيرة الشعبية لأبي زيد الهلالي سلامة؛ برواية ولهجة أهل سيناء؛ كما قدم العديد من المقالات عن المرأة السيناوية؛ ونحن نتخير له مقالة عن الدلالة الاجتماعية لصورة المرأة في أدب سيناء الشعبي

لنؤكد مدي الدور الذي يقدمع لخدمة مسيرة التراث الشعبي السيناوي والمصري ؛ يقول مسعد بدر عن المرأة السيناوية :

تتبوّأ المرأة في سَيناء منزلة سامية ومكانة مرموقة، وهذه قضية عليها شواهد متنوعة وكثيرة، شواهد اجتماعية تتعلق بدورها الكبير في أسرتها ومجتمعها، وشواهد اقتصادية تَبرُز المرأة من خلالها كمؤثر فاعل وفعّال، وشواهد تعليمية تُثبت أن بنت سيناء أصبحت أستاذة جامعية وطبيبة ومهندسة و..، فضلا عن الشواهد القانونية التي نص عليها (القضاء العرفي) حفاظا على حقوق المرأة حفظا تقرره قوانين صارمة وعقوبات مغلّظة.

إن هذه الشواهد جميعها كافية لبيان قدر المرأة وقيمتها، لكننا في هذا المقال سوف نتتبع شاهدا آخر هو (صورة المرأة في الأدبي الشعبي السيناوي)، بوصف هذا النوع من الأدب تعبيرا صادقا عن قيم المجتمع وأفكاره ومُثله العليا. وصدق الأدب الشعبي قضية مفروغ منها؛ ذلك أنه نابع من كونه إنتاجا مجتمعيا لا فرديا، ومن كونه – أيضا – يخضع لرقابة وحراسة المجتمع كله؛ فلا يستطيع أحد أن يضيف إليه قيمة أو فكرة يرفضها عموم المجتمع، ليظل هذا الأدب حارسا للقيم من ناحية، محروسا بها من ناحية أخرى.

فكيف ظهرت صورة المرأة في الأدب الشعبي السيناوي، وما الدلالة الاجتماعية لهذه الصورة التي ظهرت عليها المرأة؟ للإجابة عن ذلك سنستحضر شواهد من ثلاثة من فنون هذا الأدب، هي: الأسطورة، والسير الشعبية، والحكاية الشعبية.

أولا – صورة المرأة في الأساطير السيناوية:

الأسطورة – باختصار – هي حكاية مقدسة يؤمن بها المجتمع الذي أنتجها وتوارثها إيمانا راسخا؛ مما يعطي القيم المتضمنة في الأسطورة صفة الإجلال والتعظيم والقداسة، ومن هذه القيم الجليلة قيمة المرأة التي نستدل عليها في أسطورة (بنت النبي) وأسطورة (القمر).

تحكي أسطورة سيناوية أن بنت النبي – لم تُحدد اسمه – كانت ترعى أغناما لها، وأنها أرادت أن تستتر بالماعز لتقضي حاجتها؛ فنفرت الماعز منها، ولم تسترها؛ فدعت عليها الفتاة بأن يكشف الله سترها، فهذا هو السر أن ذيل الماعز لا يغطي عورتها ولا يواري سوأتها. لجأت إلى الضأن التي اطمأنت إليها وتحلّقت حولها فسترتها؛ فدعت لها بالستر، وكان من نتيجة ذلك أن نبتَت للضأن إليه تستر عورتها.

لعل أهم القيم الأخلاقية المجتمعية في هذه الأسطورة هي التأكيد على الأهمية القصوى لستر المرأة وصون حجابها، وأن من يفضح امرأة أو يتقاعس عن حفظ حيائها؛ يتعرض لغضب من الله وعقاب مُستديم، يظهر هذا العقاب في الشخص نفسه، ويستمر في سلالته أيضا. وعلى العكس من ذلك حال من يستر المرأة. وهذه الحكاية – المقدسة لكونها أسطورة – توحي إيحاء صريحا بإجلال المجتمع للمرأة، وحرصه الشديد على حيائها الذي هو كل كيانها.

وهناك أسطورة سيناوية أخرى تحاول أن تفسّر الصورة التي تظهر على سطح القمر. وقد قدمت الروايات المتعددة لهذه الأسطورة تفسيرات عديدة، منها أن الصورة البادية على سطح القمر هي عجوز تفلّي ثوبها. وفي رواية: تغزل صوفا. وبعضهم يقول إنها عجوز تخبز تحت. وفي اعتقاد آخر أنها عجوز ترعى غنمها. أو هي عجوز تخض لبنا في سِعْن، (أداة لخض اللبن)، وكل هذه المشاهد تحت شجرة سِدر. والملاحظ أن هذه الروايات كلها ربطت بين المرأة والعمل، حتى وهي في مرحلة الشيخوخة هي امرأة عاملة تؤدي دورا اقتصاديا مؤثرا. كما يُلاحظ أنها قرنت المرأة بالقمر، وسمت بمنزلتها فرفعتها إلى حيث يكون القمر السامي في مكانه ومكانته، والجميل البهي في صورته، وهو – مع ذلك – مصدر ضوء ونور ينتظره الناس كل ليلة. وهذا الربط بين المرأة والقمر له دلالة بليغة على سمو مكانة المرأة في مجتمع سيناء التي أنتجت هذه الأسطورة.

وإذا كان المأثور الشعبي يقول إن القمر “مونّس الغريب”، فإن الأسطورة تشير إلى محور آخر من المحاور التي تتبوأها المرأة، نعني بذلك أنها مصدر الأنس والسعادة والشعور بالاطمئنان.

ثم تمضي الروايات لتقدم تفسيرات أخرى تعلو بالمرأة فوق ذلك بكثير، ذلك أن بعض الرواة يزعم أنها عجوز نافشة شعرها تدعو على من يعصى والديه. وكأن المرأة أصبحت حارسا على القيم المهمة، كطاعة الوالدين. وهذه الرواية تقود إلى رواية أخرى تسمو بالمرأة بحيث جعلتها تتبوأ مكانا في الجنة؛ فيقال إنها عجوز تجلس تحت شجرة من أشجار الجنة. بل إن رواية أخيرة توغل في بيان خطورة المرأة إذ تجعل منها رقيبا على أعمار البشر، وهي رواية تقول إنها عجوز تحت شجرة سدر على سطح القمر، وإن لكل إنسان ورقة في هذه السدرة؛ فمن قطعت العجوز ورقته، مات!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى