حاتم عبد الهادى السيد
تبدو مجموعة الحور العين تفصص البسلة للدكتورة / صفاء النجار أشبه بفنتازيا متخيلة تعكسها على مرآة الواقع، من أجل رسم الصورة والظل معًا ،أو الذات وصورها عبر مرآة المجتمع والحياة والعالم …
وعبر احالة العنوان ” الحور العين تفصص البلسلة ” والتي تستدعى معها الجنة ،حيث الحور العين والصفاء والحياة الرغيدة ، كما أن دال البسلة وتقشيرها هو أمر دهاشي، يحيلنا الى براءة الطفولة، أو عالم البهجة الذى نلحظه في قصص الأطفال المسلية …
وعلى الرغم من الاحالات الكثيرة التى يمكن أن نشتغل عليها عبر العنوان السيمولوجى المثير ، إلا أننا نلمح تغايرية للسرد ، ومهارة في الانتقال البديع بين موضوعات القصص التى تمس شغاف القلب مع أحزان السارد / الراوى العليم، الذى يستتبع التفصيل مع الإجمال ، ويمازج الاطناب مع الاسهاب في تعادلية لغوية، تشى بمهارة المبدعة في اختيار لغة طازجة للحكاية ، عبر تقنيات الحداثة وما بعدايتها الراهنة ، مع تمسكها بنمطية القص وزهوه ، وقدرته على الانتقال كفراشة بين جدران حدائق لغتها الباذخة ، وتصويراتها الجميلة عبر الميثولوجيا ، واجادتها لاستخدام الواقعية السحرية لخلق معادل سير-ذاتي، عبر الذات المأزومة من خلال متواليتها القصصية ، ولا أقول قصصها القصيرة أيضاً .
كما نلحظ بداية الاهداء الإحالى إلى زوجها الصحفي المعروف أ. / محمد الباز “، تقول : ” أنا عند ظن عبدى بى ” . وكما في الأثر، نقف نحن كقراء في مسافة متساوقة بين الذات الحائرة بالظن عبر قصصها، وكأنها أخفت الحسن لتتأهب لمجابهة أى مكر ، أو تخالفات ظنية لرؤاها المستمرة …
وينقلنا الاهداء السيموطيقى عبر الدوال والمدلولات الى التفسير النفسى للأدب، المؤلف، الراوى، الحَكَّاء، وغير ذلك من التأويلات التى توقفنا على أننا أمام كاتبة مجيدة، قلقة، صبورة، منكسرة ، تود أن تحسن الظن، لكنها تخشى المكر السىء ، وتخفى مع ذلك حسن الظن الذى تتغيَّاه وتأمل في وجوده ، ورغم هذا القلق الوجودى بعيداً عن الفيلسوف الألماني” نيتشه” ـ إلا انها قد نجحت فى قصتها الأميبا “،في ايهامنا بالسرد، عبر قصة الاميبا ،والتي تحكى فيها قسرة الأيام على فتاة طموحة تستيقظ على جسدها الذهبى الجميل ، كما تراه،والتي لم ينظر اليه أحد، رغم مرور ثماني سنوات بعد حصولها على ليسانس الآداب لنجدها قد أصبحت “عانسًا “، ومع زواج الفتاة وانجابها- بعد ذلك – وجدناها لم ترتو ذاتيًا وجسديًا من زوجها، تقول القصة :” في مساءاتها كانت تسحق تحت كرشه الفحم ،وتنبعج كقطعة عجين تمتد أطرافها تحت أصابع فران لا يحب صنعته ( المجموعة ص9) .
إنها – اذن- لا زالت تعاني، فتهرب من واقعها الى لغة الجسد ، أو هى تَعْبرُ بالواقعية / واقعها، الى غواية الجسد لتُحدث “التنفيس الانفعالى”، عبر ديمومة لغة الجسد ،وأحاديثها معه ، “والذى يليهيها – كما تقول القصة -عن أعباء المنزل والطفل، والزوج الذى لا يفهمها ، ولا يلبي حاجات جسدها الطموح ، فتظل تتماهى مع الجسد، وهى على طشت الغسيل ، وتنتشى مع ذرات الماء الذى يصل الى أماكن حساسة لديها ، لتشعرها بأنوثتها وسطوة جسدها الذى يتماوج كجوهرة ثمينة تحتاج الى يدِ نحات يصقلها، عندما تنتهى تغلق الشرفة .. تطفىء الإضاءة .. تخلع جلبابها .. تسترجع صورتها.. وحدها مع جسدها .. يتبادلان حديثًا سريًا حميمًا، يجعلها تتحمل باقى أيام الاسبوع” . (المجموعة ص 12 )
إنه حديث الجسد اذن، تنسى الطفل الرضيع، ولا تتذكره إلا حين الرضاعة، وتكره لقاء الزوج الذى لا يُقَدَّر مكنون اللؤل، وأصداف المحارات والأغوار العطشانه بجسدها الذى يتأوه ، فكأنها تستعيض عن كل ذلك بحركة الماء العميقة الساخنة وبالتفاف فستانها، فتزدهى بالنشوة لتعطى جسدها روحًا ومكياجًا تراه يحمل صورة الحياة لديها . كما نلحظ تغايرية السرد وانتقالاته البديعة،عبر تنقلاته الوصفية من حديث الذات الى تجسيدها ، ثم استحضارها ، وكل ذلك تفعله الساردة عبر المفارقة ومهارة استخدام الضمائر، وكأنها تستعيد بالواقعية السحرية جماليات السرد باستكناه “خلف ظاهر النص”، الذى تكمن خلفه التفاصيل الكثيرة لقلقها وخيالها الجامع، مع سطوة جسدها الفاتن وطموحاته الأسيرة .







