مقالات

الراوى حاتم عبد الهادى يكتب:الشعرالنيجيرى المعاصر

 قراءة في شعر  يوسف زكريا عبدالله

الراوى حاتم عبد الهادى يكتب:الشعرالنيجيرى المعاصر

 
 قراءة في شعر  يوسف زكريا عبدالله

يوسف بن زكريا بن عبد الله، من أصل قبيلة تيرا (Tera) القاطنة في ولايتي غومبي وبرنو النيجيريتين، ولد في حكومة بيو المحلية، ولاية برنو، في ١ من أكتوبر ١٩٩٣م، وتلقى مبادئ تعليمه في مسقط رأسه حيث درس في الابتدائيتين (الإسلامية والأجنبية) والثانويتين (العربية الإسلامية والعلوم الأجنبية) فيها، ثم التحق بجامعة ميدغري عام ٢٠١٢م ليدرس اللغة العربية وآدابها، وتخرج فيها عام ٢٠١٦م.. والتحق ليدرس بمرحلة الماجستير في اللغة والترجمة في الجامعة نفسها عام ٢٠١٩م..ويعمل محاضرا للغة العربية وآدابها في جامعة الجيش النيجيري بيو (NAUB) حالياً. بدأ يقول الشعر عندما كان في السنة الثالثة في الجامعة.. و كانت هناك له قبل ذلك محاولة أو أكثر في النظم… وأشتهر بلقب قيس عند أصدقائه لأن معظم أشعاره غزل ،له ديوان”همسات السَّحَر” ؛”شبح الحب”.
وفى قصيدته ” لي الخلد ” نلمح رومانتيكية عاشق – منذ البداية – يتشبه بقيس العامري، وحبيبته ” لبنى ” ليعيد انتاجية قصص الحب العذري في قالب عصري، فهو يماهينا بحبه ، ويؤكد أنه ” قيس العصري” ؛ الذى لم يكنه، ولكنه يطمح إلى لصق اسمه به؛ ليخلد كخلود قيس في التاريخ العاطفي على مسيرة الحب، ويظل حبه عفيفاً لم يطل ذؤابتها؛ لكنه يظل يلهج بها في أشعاره، ويرتجيها ” في الحلال” ، ولنلحظ الصورة المتراتبة عبر انتاجية الدلالات التاريخية، والواقعية ” لقيس نيجيريا الجديد ” المستهام، الزاعق في طرقات العالم معلناً قصة الغرام الكوني المشتهى ، يقول :
ليخلد في كيان الكون أنى أنا قيس، وأنى كون كونى
وأنى حال ماضٍ لم أكنه وماضي حالةٍ لما تكنى
ليخلد فيه بعد خلود ذات إلى حين، ويخلد بعد حًيني
واجعل بين موتٍ لم يجئني وبيني سد “ذي قرن وقرن ”
سآخذ من سماوات طباق ٍ غزالتهن أقربهن لحني .
إنه الشاعر الذى يسعى إلى الخلد – كما جاء في العنوان – عبر قصة حب كونية، وعبر غزالةٍ، محبوبة؛ متخيلة/ أو حقيقية، لكنه صرح باستحالة تلاقى الحبيبين كذلك، لتظل ملهمته إلى الأبد، فهو يعيشها في الخيال، ويظل قيس المستهام لحبيبة مجهولة أيضاً ؛ يقول :
أسطر في صحائف من خيال حديث الروح عن ( سند ومتن )
لأخلد في حنايا قلب من لم أرده ومن هنالك لم يردني
وأبقى في نفوس الناس قيساً بديع الحسن قرة كل عين
وفى قصيدته ” ما طاب إلا من حضوريَ محفل ” نرى الفكاهة تطغى على الشاعرية، ونرى تجديدية المعنى باستخدامه لبعض الأماكن والأكلات الشعبية الشهيرة في نيجيريا، وهو الأكول يحب الطعام ، وقد جاءت القصيدة تنحو إلى الزجل، والمفاكهة والطرافة عبر جزالة حرف، وروعة تصوير، ودعابة معنى ، وتلك لعمرى قصائد – تشبه أشعار ” شعراء الكتيبة ” في السودان الشقيق – الذين انتقدوا المجتمع وما يحدث به عبر الدعابة والفكاهة، أو الأزجال المصرية المرحة كذلك والتي تنتقد أحداث المجتمع عبرفنتازيا المسرود الشعرى الذى يحيلنا إلى الحكاية عبر التدوير الشعرى للأسطر ، لا في التفاعيل كذلك ، ليحيلنا إلى روح مرحة، وجزالة تعبير ، ناهيك عن المقدمة الرائعة التي يخاطب فيها الحروف والمعاني لتطوع بين قلمه، وقد طاعت للحقيقة له ، ليقدم قصيدة فكاهية عبر تقديم سامق جميل ،عبر بحر الكامل المضئ بتناغمية هارموني الشعر المموسق ، يقول :
ما للقوافي قدمت أعذارا وأنا رجوت، بديلها، أشعارا
عهدي بحرفي أن يطيع أوامريسراً أردت مجيئه وجهارا
ما باله أدعوه دعوة سيد فأراه يعصى، إذ دعوت مرارا
أدعوه كى أحظى ، إذا هو طائعي بألذ ما في البطن يطفئ نارا
أنا لا أفضل في اللحوم دجاجة مشوية أو لحم شاةٍ حارا
عجباً لمن يؤتى بأثمن بطةٍ فترى، بخير ، فوقها الأبقارا
سيان ديك في القدور وظبية عندي، وحسبي ما ملكت فخارا
ثم نرى طرافة التعبير في مزجه بعض كلمات بالإنجليزية، او يكتبها هكذا ليدلل إلى طرافة الشعر حتى النهاية ، يقول :
في مذهبي أنا لا أغادر dankali حتى يقطع في فمى مليارا
أنا لا أفرق في الطعام حليه ومريره، كم طاب عندي fara
ما طاب إلا من حضوري محفل وكفى المحافل في غيابي عارا
وإذا أتتك من المضيف مذمتي فاسأل ، لتعرف بخله، الأخبارا.
فهو يتناص ليحدث المفارقة، عبر المثاقفة، وأتت أبياته جزلة، وتحمل روح الدعابة وخفة اللفظ وسلاسته، وجمالية الوصف مع عدم اعتبارية للآخرين في حضوره كافة الموائد، فهو هنا ينتقد ذاته ربما – كأبى دلامة– حين قال له الخليفة : لو لم تهج أحداً من الجالسين هنا في هذا المجلس فسوف أقطع رقبتك ، فنظر في وجوه الأمراء ، والكل يغمز ويهمس ويشير له بألا يهجوه، وسوف يغدق عليه، فقام بهجاء نفسه – كأحد الحضور– ففاز بالمال منهم جميعاً فقال :
ألا أبلغ إليكم أبا دلامة فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً وخنزيرا إذا نزع العمامة
وهذا الشعر الفكاهي نفتقده الآن، إلا أننا بحاجة إليه لتزجية الروح بالدعابة بعد ان طغت على مجتمعاتنا الكآبة بفعل ما يحيط بالمجتمعات من هموم ومشاكل كذلك .
يظل شاعرنا ابن نيجيريا تواقاً للعدل، وأنى له من وصف في ظل الرهبوت ، ولنا ان نصفق له ، ولو من بعيد، فهو يحيا بين أياد ظالمة تحمل الرعب والخوف، وبين شعب متطلع للخلاص، وغن غداً لناظره قريب .
ستظل نيجيريا واحة الشعراء، وصوت الحق، وقبلة النور والحرية، والحب، فاللهَ الله َ ياشعب نيجيريا الجميل الحزين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى