أخبار

من القاهرة إلى قمة “الفاو”.. شاب مصري يقود الأمن الغذائي العالمي

 

في لحظة فارقة من تاريخ منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، حققت مصر إنجازًا غير مسبوق على الساحة الدولية، بتوليها رئاسة المجلس التنفيذي للمنظمة للمرة الأولى منذ تأسيسها عام 1945، بالتزامن مع انتخاب الشاب المصري مينا رزق رئيسًا للمجلس التنفيذي للمنظمة بالإجماع، في حدث اعتبره مراقبون تتويجًا لنجاحات دبلوماسية مدروسة، ورؤية وطنية أثمرت عن تمكين الكوادر المصرية في المحافل الدولية.

الحدث، الذي شهدته العاصمة الإيطالية روما أمس، شكّل تحولًا رمزيًا ومعنويًا على مستوى التمثيل العربي والإفريقي في واحدة من أبرز المنظمات الدولية المعنية بالأمن الغذائي والزراعة، وفتح بابًا واسعًا أمام مصر لتقود ملفات التنمية الزراعية المستدامة، في توقيت بالغ الحساسية عالميًا على صعيد الغذاء والمياه والطاقة.

رئاسة مصر لمجلس “الفاو”

في سابقة تاريخية، أعلن المدير العام لمنظمة “الفاو”، الدكتور كيودونغ يو، عن فوز مصر برئاسة مجلس المنظمة كممثلة مستقلة للمرة الأولى، في خطوة تمثل تتويجًا لمسيرة مصرية دبلوماسية حثيثة لسنوات، قادتها بعناية في أروقة المنظمة الأممية، مستفيدة من عضويتها النشطة، ومبادراتها المتقدمة في ملفي الأمن الغذائي والابتكار الزراعي.

ويشرف المجلس على متابعة تنفيذ السياسات والبرامج التي تعتمدها المنظمة، ويُعد الهيئة العليا المعنية بصياغة القرارات الإستراتيجية على المستوى العالمي. ومن المقرر أن تتولى مصر هذه الرئاسة لمدة عام قابل للتجديد مرة واحدة، وهو ما يمنحها نفوذًا فعليًا في رسم أولويات المنظمة خلال هذه المرحلة الحرجة من أزمة الغذاء العالمية.

مينا رزق.. أصغر رئيس في تاريخ المجلس التنفيذي

ولم يقتصر الإنجاز المصري على تولي الرئاسة العامة، بل امتد إلى قيادة المجلس التنفيذي ذاته، بفوز مينا رزق، الدبلوماسي المصري الشاب، برئاسة المجلس التنفيذي، ليصبح أول مصري، وأصغر شخص يتولى هذا المنصب في تاريخ “الفاو”، عن عمر لا يتجاوز 38 عامًا.

وحصل رزق على دعم كامل من الدول الأعضاء، متفوقًا على خمسة مرشحين من قارات العالم كافة، بينهم وزراء زراعة ودبلوماسيون بارزون، وهو ما يعكس حجم الثقة الدولية في المرشح المصري، وكفاءة تمثيل بلاده داخل المنظمة.

من هو مينا رزق؟

ينتمي مينا رزق إلى جيل جديد من الدبلوماسيين المصريين الذين نضجوا في ظل التحولات السياسية والإصلاحات المؤسسية التي قادتها الدولة المصرية في العقد الأخير. حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2009، وبدأ مشواره المهني باحثًا اقتصاديًا في وزارة التعاون الدولي، قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي في عام 2011.

وواصل رزق تطوير مؤهلاته العلمية، فحصل على ماجستير دراسات السلام الدولية من معهد “كروك” التابع لجامعة نوتردام الأمريكية، كما شغل مناصب سياسية حساسة، منها الممثل الدائم لمصر لدى “الفاو” في روما، ورئيس القسم السياسي بسفارة مصر في بكين، وعضو بإدارة الشؤون المتعددة الأطراف بوزارة الخارجية.

دعم رسمي ومساندة شبابية

في تعليقه على هذا الإنجاز، قال السفير بسام راضي، سفير مصر في إيطاليا ومندوبها الدائم لدى منظمات الأمم المتحدة في روما، إن انتخاب مينا رزق يمثل شهادة دولية على كفاءة وتميّز الكوادر المصرية، كما يُجسد ترجمة حقيقية لتوجهات القيادة السياسية المصرية بتمكين الشباب وتأهيلهم لقيادة الملفات الدولية الكبرى.

وأضاف راضي أن السفارة المصرية لعبت دورًا دبلوماسيًا فاعلًا في دعم ترشح رزق، من خلال جولات حوار واتصالات مع بعثات الدول الأعضاء، استندت إلى تاريخ مصر الحافل في التعاون مع المنظمة، ومبادراتها النوعية في تطوير الزراعة والتكنولوجيا المرتبطة بها.

الفاو والدور المصري المتنامي

يُعد المجلس التنفيذي الهيئة الحاكمة للفاو، وهو مسؤول عن رسم سياساتها العامة، وتوجيه أنشطتها الاستراتيجية في الأمن الغذائي والزراعة والمياه والمناخ. ويتألف من ربع عدد الدول الأعضاء تقريبًا، وتنتخب الدول لعضويته كل ثلاث سنوات، وهو ما يعكس مكانة الدول النشطة والمؤثرة داخل المنظمة.

وكانت مصر قد نالت عضوية اللجنة العامة للمؤتمر خلال الدورة الـ44 للفاو في يونيو الماضي، بعد حصولها على دعم واسع من الدول الأعضاء، بما في ذلك دول من أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، في مؤشر على تنامي وزنها السياسي والتقني داخل المنظمات متعددة الأطراف.

إنجاز يعكس “رؤية مصر 2030”

النجاحات المتتالية في المنظمة الدولية تُعد، بحسب مراقبين، امتدادًا طبيعيًا للرؤية الوطنية المصرية 2030، التي وضعت الأمن الغذائي والتحديث الزراعي في صدارة أولوياتها التنموية. ومن بين ملامح هذه الرؤية، إطلاق مشاريع الري الحديث، والتوسع في استصلاح الأراضي، وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر لمواجهة التغير المناخي.

ويُعول على الدور المصري داخل “الفاو” في المرحلة المقبلة للدفع بأجندة إنمائية أكثر عدلًا للدول النامية، وترسيخ العدالة الغذائية، وتطوير الشراكات جنوب-جنوب، فضلًا عن كسب دعم فني وتقني للمشروعات الزراعية الكبرى التي تنفذها مصر في دلتا النيل وسيناء والصعيد.

دبلوماسية الغذاء

يشير انتخاب مصر إلى تطور ما يمكن تسميته بـ”دبلوماسية الغذاء”، وهي نهج جديد تستخدمه القاهرة لتعزيز حضورها في ملفات استراتيجية تتجاوز السياسة التقليدية، وتلامس حياة الشعوب، وسط أزمات مناخية وحروب إقليمية تهدد الأمن الغذائي العالمي.

وفي وقت يتزايد فيه الطلب على الغذاء، وتزداد حدّة الفجوات الزراعية، تمثل هذه الرئاسة فرصة لتقوية العلاقات المصرية مع الدول الإفريقية والعربية والآسيوية في مجالات الزراعة المستدامة والبحث العلمي الغذائي وتمويل المشروعات الزراعية الصغيرة والمتوسطة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى