سيد الأسيوطي يكتب … الإنذار المبكر: البرلمان بين الواقع والمأمول

لا شك أن البرلمان يمثل في أي دولة صوت الشعب وإرادته الحرة، وهو المؤسسة الدستورية التي تعكس وعي الأمة وتطلعاتها، وتحمل مسؤولية الرقابة والتشريع ورسم السياسات الكبرى. والبرلمان المصري ليس مجرد قاعة للخطابات أو مقاعد للشخصيات العامة، بل هو تاريخ طويل من النضال وركيزة أساسية في مسيرة الدولة الحديثة.
لكننا، ونحن نتأمل المشهد الراهن، نصطدم بحقائق مؤلمة لا يمكن إنكارها أو التغطية عليها. فقد تسلل إلى البرلمان عدد من الاختيارات الخاطئة، وبرزت ظاهرة “البرلمان العائلي” وكأن المقاعد صارت إرثًا عائليًا وليست أمانة وطنية. أضف إلى ذلك وجود شخصيات لم تضف شيئًا يذكر، بل أضعفت من هيبة المؤسسة النيابية وأثقلت على صورة الحياة السياسية.
ولا يقتصر الخلل على الأشخاص فقط، بل يتضح في تأخر أو جدل بعض القوانين المهمة التي تمس حياة المواطن مباشرة. فعلى سبيل المثال، قانون الإدارة المحلية، الذي يهدف إلى تعزيز اللامركزية وتطوير الإدارة المحلية، لم يتم إقراره حتى الآن رغم بدء مناقشته رسميًا في عام 2023، ما يعكس صعوبة التوافق على القوانين ذات التأثير المباشر على تطوير الأداء الإداري في المحافظات.
أما قانون الإيجار القديم فقد أحدث لغطًا واسعًا في الشارع المصري، وأثار جدلاً حول تأثيره على حياة المواطنين، خاصة في ظل عدم اتخاذ البرلمان موقفًا واضحًا تجاه بعض القرارات الحكومية التي زادت الضغوط الاقتصادية على الأسر المصرية، ما يطرح تساؤلات حول الدور الرقابي الفعلي للمؤسسة النيابية وقدرتها على حماية مصالح الشعب.
إضافة إلى ذلك، شهد البرلمان حالة استثنائية مع تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، التي أقرها رغم الاعتراضات الكبيرة، ولم يصدق عليها الرئيس، ما يسلط الضوء على فجوة الثقة بين البرلمان ومؤسسات الدولة والشعب، ويؤكد ضرورة إعادة النظر في آليات التشريع والرقابة.
إن أخطر ما يترتب على هذا الواقع هو اهتزاز ثقة المواطن في البرلمان، وهو أمر بالغ الخطورة، لأن فقدان الثقة يعني انسحاب الناس من المشاركة السياسية، وإفساح المجال أمام قوى غير جادة أو غير مؤهلة لقيادة التشريع والرقابة. وإن لم يتم تدارك هذا الخلل، فإن آثارَه السلبية ستتسع لتشمل الأداء التشريعي وجودة القوانين وصورة مصر الديمقراطية أمام العالم.
غير أن الإنذار المبكر لا يعني فقدان الأمل، بل هو دعوة للتحرك. المطلوب اليوم هو تجديد الدماء داخل البرلمان، بوضع معايير صارمة لاختيار المرشحين تقوم على الكفاءة والقدرة على خدمة الوطن والمواطن. كما أن الأحزاب السياسية مطالَبة بأن تتحمل مسؤولياتها في تقديم وجوه جديدة تعبّر عن الشارع، بدلاً من الاكتفاء بالتحالفات الشكلية أو الترضيات. ويبقى دور الناخب المصري الواعي، الذي بيده أن يغيّر المعادلة إذا قرر أن يمنح صوته لمن يستحق.
إننا أمام معركة وعي حقيقية؛ معركة بين من يرى البرلمان مجرد مقعد أو وجاهة اجتماعية، وبين من يراه أداةً لصناعة المستقبل. ومصر العظيمة تستحق برلمانًا قويًا يعكس إرادة أمة عريقة، ويعيد الثقة للشعب، ويكون بحق صوت الوطن وصمام أمانه.
فلنكن على قدر التحدي، ولنجعل من الانتخابات القادمة نقطة تحول تاريخية. فالأمة التي صنعت ثورة يوليو، وصمدت في أكتوبر، وأسقطت الإرهاب، قادرة أن تبني برلمانًا حقيقيًا يليق باسمها ومكانتها، ولن يتحقق ذلك إلا بالوعي الوطني والمشاركة الفعالة من كل مواطن.
حفظ الله الوطن وتحيا مصر بوحدتها دائما وابدا رغم أنف المفسدين والحاقدين والمتربصين.