سقوط الفاشر.. مأساة إنسانية تكشف تورط قوى إقليمية ودولية

حسام حفني
تشهد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور واحدة من أكثر الفصول دموية في الحرب السودانية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف، حيث أفادت تقارير ميدانية بسقوط ما يقرب من ١٣٠٠ قتيل خلال الأيام الماضية بعد معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المعروفة محليا باسم الجنجويد.
انسحاب الجيش حفاظا على المدنيين
بحسب مصادر سودانية، جاء انسحاب قوات الجيش من داخل مدينة الفاشر بعد اشتداد القصف وتوسع رقعة المواجهات إلى الأحياء السكنية، ما جعل حياة المدنيين في خطر مباشر. وأكدت القيادة أن الانسحاب تم تحت مبدأ إنساني بحت لتجنب وقوع مجازر جديدة في صفوف المدنيين، خاصة بعد أن تحولت المدينة إلى ساحة قتال مفتوحة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة.
مذبحة جديدة في دارفور
المنظمات الإنسانية حذرت من كارثة بشرية تلوح في الأفق، حيث ما تزال عشرات الجثث في الشوارع، مع انقطاع الكهرباء والمياه ونقص حاد في المواد الغذائية والأدوية. كما أُجبر آلاف المدنيين على الفرار باتجاه مناطق نائية أو الحدود التشادية وسط أوضاع مأساوية، فيما تتحدث تقارير الأمم المتحدة عن أكبر موجة نزوح تشهدها دارفور منذ ٢٠٠٣.
أسلحة حديثة ومؤشرات على دعم خارجي
المصادر السودانية أكدت أن قوات الدعم السريع استخدمت أسلحة متطورة لم تكن متوفرة سابقا، بينها طائرات مسيّرة هجومية وصواريخ حرارية مضادة للدروع، وهو ما يشير إلى تدفق دعم خارجي من دول عربية وغربية عبر وسطاء في المنطقة.
وبحسب الخبراء، فإن نوعية هذه الأسلحة وتطورها لا يمكن أن تكون نتاج السوق السوداء فقط، بل تدل على وجود شبكة إمداد منظمة تشارك فيها أطراف إقليمية لها مصالح مباشرة في استمرار الفوضى داخل السودان، من بينها دول يُعتقد أنها تقدم للجنجويد تمويلا لوجستيا واستخباراتيا.
تحالفات غامضة ومصالح متقاطعة
تحليل المشهد الميداني والسياسي يشير إلى أن دارفور أصبحت نقطة اشتباك لمشاريع دولية متعارضة، حيث تسعى بعض القوى إلى تقسيم السودان فعليا إلى مناطق نفوذ، مستغلة ضعف الحكومة المركزية وانشغال الجيش في جبهات متعددة.
وتؤكد مصادر دبلوماسية في الخرطوم أن هناك تحالفا غير معلن بين قوات الدعم السريع وبعض الجهات الغربية التي ترى في حميدتي شريكا محتملا في المستقبل، مقابل ضمان مصالح اقتصادية في مجالات الذهب والمعادن الاستراتيجية.
المجتمع الدولي بين الصمت والازدواجية
ورغم هول الكارثة، اكتفى المجتمع الدولي ببيانات تنديد خجولة، فيما فشلت الجهود الأممية في فرض ممرات آمنة أو وقف إطلاق النار. ويرى مراقبون أن الازدواجية في المواقف الغربية تجاه ما يحدث في دارفور تُعد أحد أسباب تفاقم الأزمة، إذ تُمنح بعض الأطراف غطاء سياسيا ضمنيا لاستمرار العمليات العسكرية.
السودان على حافة التقسيم
بسقوط الفاشر، تكون قوات الدعم السريع قد أحكمت سيطرتها على كامل إقليم دارفور تقريبا، ما يفتح الباب أمام سيناريو خطير يتمثل في انفصال الإقليم عن السودان وإقامة كيان مسلح مستقل على غرار تجربة جنوب السودان قبل أكثر من عقد.
ويحذر محللون من أن استمرار الوضع بهذا الشكل قد يؤدي إلى تفكك الدولة السودانية ما لم يتم تحرك سريع لوقف الحرب وبدء عملية سياسية شاملة تعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية.
ما جرى في الفاشر ليس مجرد معركة عسكرية، بل تحول استراتيجي في مسار الصراع السوداني كشف حجم التدخلات الخارجية وتشابك المصالح في واحدة من أكثر مناطق إفريقيا اضطرابا. ومع تزايد أعداد القتلى والنازحين، تبقى الفاشر رمزا لمعاناة السودان وصراعا بين قوى تبحث عن نفوذها على حساب دماء الأبرياء.






