سقوط الفاشر وصراع المصالح في دارفور هل نعيد سيناريو انفصال جنوب السودان

احمد ماهر
في تطور جديد قد يغير خريطة الصراع في السودان أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر الفرقة السادسة للجيش في مدينة الفاشر آخر معقل كبير للجيش الوطني في إقليم دارفور وتشير التقارير إلى أن المدينة أصبحت فعليا تحت سيطرة الميليشيا بعد معارك عنيفة هذا الحدث لا يمكن اعتباره مجرد انتصار عسكري بل هو تحول استراتيجي قد يقود إلى تقسيم فعلي أو إلى مفاوضات سياسية تفرض واقعا جديدا على الأرض
أهمية دارفور تتجاوز حدودها فالإقليم الذي تبلغ مساحته نحو أربعمائة وثلاثة وتسعين ألف كيلومتر مربع أي ما يعادل نصف مساحة مصر تقريبا يعوم على بحر من الثروات الطبيعية من الذهب واليورانيوم والنحاس والماس إلى الحديد والكروم والفوسفات والزنك إضافة إلى احتياطيات نفطية ضخمة تؤكد الدراسات الجيولوجية وجودها في جنوب الإقليم كما يحتوي على ست بحيرات من المياه الجوفية تصلح لزراعة ملايين الأفدنة بمختلف أنواع المحاصيل
هذه الثروات تجعل من دارفور هدفا مغريا لقوى إقليمية ودولية تسعى إلى السيطرة على مواردها عبر تمويل وتسليح وكلاء محليين فالمعادلة الاقتصادية البسيطة تقول إن إنفاق بضعة مليارات على الميليشيات مقابل السيطرة على ثروات بمئات المليارات هو استثمار مجد من وجهة نظر من يخططون من بعيد ولذلك ليس غريبا أن نجد دولا تشارك في تمويل حميدتي وقواته سرا أو علنا مستفيدة من حالة الفوضى
لكن وراء هذه الحسابات الاقتصادية مأساة إنسانية كبرى فالإقليم يشهد جرائم وانتهاكات ممنهجة بحق المدنيين عمليات قتل جماعي واغتصاب وتشريد ونزوح جماعي وسط غياب شبه تام للتغطية الإعلامية أو الاهتمام الدولي حتى أصبح الدواء الأكثر طلبا في بعض المناطق هو حبوب منع الحمل بسبب حجم الانتهاكات اليومية
سيناريو جنوب السودان يطل برأسه من جديد فكما أدى ضعف الدولة وانقسام جيشها في الماضي إلى ولادة دولة جديدة في الجنوب قد يقود انهيار السيطرة في دارفور إلى مسار مشابه خاصة إذا استسلمت القوات المسلحة أو تم دفعها إلى مفاوضات تمنح الأمر الواقع شرعية سياسية جديدة
دارفور ليست مجرد إقليم منسي بل هي عقدة استراتيجية تربط السودان بأفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان وليبيا وبالقرب من مصر مما يجعلها نقطة حساسة يمكن أن تتحول إلى مصدر تهديد إقليمي إن وقعت في أيد غير وطنية
إن سقوط الفاشر لا يعني نهاية الحرب بل بداية مرحلة أخطر قد تحدد مصير السودان بأكمله لذلك من الضروري أن يستعيد الجيش السوداني توازنه ويعمل على تطهير دارفور من الميليشيات بدعم إقليمي يوقف تمدد هذا الخطر لأن دولة بلا جيش قوي تظل بلا وزن ولا حماية
في النهاية تبقى دارفور شاهدا على أن الصراع في السودان لم يعد صراعا داخليا فقط بل حربا بالوكالة تدور حول الثروات والمصالح الكبرى بينما يدفع الأبرياء الثمن






