القاص السيناويةحاتم عبدالهادي السيديكتب: الصحراء السيناوية وروايات البدو”صحراء مضادة”
القاص السيناويةحاتم عبدالهادي السيديكتب: الصحراء السيناوية وروايات البدو”صحراء مضادة”
قليلة هى روايات الصحراء الجادة ، بل هى على قلّتها تمثل مرجعية للبيئة العربية وجغرافيتها الثقافية ومكونها المادى والمعنوى ومدلولاتها الثقافية أيضاً ، واذا عرفنا أن قلة مثل ” عبدالرحمن منيف ” و ” ابراهيم الكونى ” و ” أمجد ناصر هم الأشهر فيمن استخدم الصحراء سياجاً لموضوعات رواياتهم ، فان صحراء مضادة للروائي السيناوي / عبدالله السلايمة تعكس نمطاً تغايرياً لصحراء ” بادية سيناء ” – والتى لم يكتب عنها من قبل – اذ تمثّل تلك الصحراء تاريخاً تعرفه مصر وغيرها من دول الجوار العربى ، ورغم ذلك لاتقدّم هذه الرواية وصفاً لتلك الصحراء الشاسعة الممتدة فحسب ، بقدر ما تعكس قيمها السلبية والتى آثر الكاتب – ببراعة شديدة – فك شيفرات مفرداتها ، للدخول الى مفازتها وجبالها الوعرة حيث القيم التراثية والانسانية السامقة التى تشبه تلك الجبال الراسيات والسهول ، وربما السراب اللانهائى الكونى كذلك ، لذا تمثل هذه الرواية فى ذاتها قيمة تاريخية وتراثية وتوثيقية وتسجيلية كذلك .
وفى البداية يأخذنا عنوان ” صحراء مضادة” إلى متناقضات جغرافية وتاريخية أكثر إلغازاً، وإلى غموض أكثر إثارة مما يجعلنا نستفسر عن تلك الصحراء المضادة المتغايرة التى ربما لا تشبه الصحراوات التى نعرفها، أو ربما عن طريق التماثل والتقارن تجعلنا نقف لنسأل عن أسرار هذه الصحراء التى تنتقل الى ذهنية القارئ منذ الوهلة الأولى, ولقد جاء بلفظة”صحراء” منكّرة دون”أل” التعريف لإكمال المتاهة الجغرافية التى لم يحددها الموضوع، وصفة الصحراء غير المعرّفة كذلك.
لقد قيل قديماً : ” ان الجغرافيا هى المدخل للتاريخ ، وأن الدال هو الاستقراء المفضى الى فك شيفرات المدلولات، أو الولوج الى عالمها ” لكن ” صحراء مضادة” تجعل العنوان ـ بداية ـ متسع وغير دال الى مكان هذه الصحراء، أو ماذا يكمن بداخلها من أحداث تدلّل الى التاريخ الذى يحوى البشر والعالم ،وربما المظاهر الاجتماعية لطبيعة تلك الصحراء الشاسعة المتغايرة.
وباستقراء الإهداء تكتمل دائرة الغموض، فالكاتب يهدى الرواية الى امرأة تكابده عناء أحلامه، وتؤمن بما يكتبه، رغم شكّه أنه يسير فى الطريق الصحيح” .
هذا وقد قسّم /عبدالله السلايمة روايته الى عشرين فصلاً ، أو مشهداً، معتمداً أسلوب الوصل لا الفصل ، أو تقنية المشهدية ـ ولا أعرف ان كان يقدم رواية مكتوبة أم كتبها عبر مشاهد – ربما لحيلة منه لتقديمها كسيناريو أو عمل سينمائى، وهذا حقه، إلا أن بعض هذه المشاهد قد جاءت متسقة مع التنامى الهارمونى لأسلوبية السرد من جهة ، وبعضها جاء ليستثير مخيلة القارىء ليشركه فى الكتابة كذلك ، وتلك حيلة ماكرة منه ليجعل القارئ يلهث وراء الأحداث، وان كنت أرى أنه بذكاء منه يستخدم تقنية التكثيف عبر آلية الحذف والاختصار عبر زمان ومكان الأحداث، وتلك تقنية تعزى الى السيناريو والدراما التلفزيونية التى أراه يأخذنا اليها لينقلنا الى متعة التصوّر والمشاهداتية كذلك ، وكما سيجيء لاحقاً.