مقالات

فاطمه صديق تكتب .. هل نشهد فصولا جديدة؟ تغير الفصول فى مصر تحت عين العلم

فى عالمنا اليوم , تتسارع وتيرة التغيرات المناخية بشكل ملحوظ , مما يدفعنا الى التساؤل : هل ما نعيشه من تغيرات فى الطقس والمواسم هو مجرد ظاهرة مؤقتة أم أننا نشهد تحولا جذريا فى طبيعة الفصول نفسها ؟ خاصة فى مصر ، التى لطالما تميز مناخها بأربعة فصول واضحة ومحددة , أصبحت ملامح هذه الفصول اليوم أقل ثباتا وأكثر غموضا .
فى هذا المقال , سنغوص معا فى اعماق هذه الظاهرة العلمية والاجتماعية لنفهم كيف تؤثر التغيرات المناخية على طبيعة الفصول فى مصر , ونتناول أثر هذا التحول على حياة الإنسان والطبيعة فى محاولة لرسم صورة واضحة حول ما إذا كنا فعلا نشهد ولادة “فصول جديدة” لم نكن نعرفها من قبل .
تقليديا ، يعرف المناخ فى مصر بأربعة فصول رئيسية : الربيع والصيف والخريف والشتاء , وكل فصل له خصائصة المميزة التى تحدد نمط الحياة والسلوك اليومى للسكان ، وتحديد هذه الفصول كان دئما جزءا من هوية المصريين فى تعاملهم مع الطبيعة ، وتعتمد عليه قطاعات كبيرة كالزراعة والاقتصاد .
فى مصر ، بدأت تتضح مظاهر تغير الفصول بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة ، فمثلا أصبح الصيف أكثر حرارة وقسوة مع ارتفاع متكرر فى درجات الحرارة خلال شهور كان من المعتاد أن تكون معتدلة , كما لوحظ تقصير فصل الشتاء حيث أصبحت فترة البرودة أقل زمنا وأقل انتظاما ، مع تراجع واضح فى كميات الأمطار التى كانت تُسقِى الأرض فى موسم الشتاء .
هذا التفاوت فى التغيرات يظهر ان الفصول لم تعد كما كانت وأن طبيعة المناخ باتت أكثر تقلبا وغير مستقرة وتُدخل سكان المحافظات فى حالة من عدم اليقين حول المستقبل المناخى .
وتلك التغيرات المناخية ليست مجرد أرقام أو تقارير علمية ، بل لها تأثيرات ملموسة على حياة الناس والبيئة فمثلا من الناحية الصحية فقد زادت حالات الاصابة بأمراض مرتبطة بالحرارة المرتفعة مثل الإجهاد الحرارى والجفاف وكذلك الكثير من الأمراض الجلدية ، وبالنسبة للزراعة يعانى الفلاحون من عدم انتظام الأمطار وقصر فصول النمو ، مما يؤدى الى تراجع المحاصيل الزراعية أو انخفاض جودتها .
لكن , ما هو التغير المناخى ؟
هو ظاهرة علمية تشير الى تحولات طويلة الأمد فى أنماط الطقس على سطح الأض نتيجة نشاطات بشرية تؤدى الى زيادة الغازات الدفيئة التى تحبس الحرارة فى الغلاف الجوى .
وهذه التغيرات تؤدى الى تقصير أو اطالة بعض الفصول وتغير فى شدة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة او انخفاضها بصورة غير متوقعة ، وعلى الصعيد العالمى شهدت مناطق كثيرة تغيرات فى أنماط فصولها مثل ذوبان الثلوج فى القطب الشمالى وارتفاع درجات الحرارة فى مناطق أخرى .
كان من الصعوبة معرفة المسؤل عن التغير المناخى الحالى ، هل العوامل الطبيعية أم العوامل البشرية ؟ وبمعنى اخر هل الطبيعة ام الانسان ام كلاهما ؟ ولكن معظم الدراسات والتقارير الصادرة عن منظمات دولية ومعاهد علمية أكدت أن التغير المناخى فى النصف الأول من القرن العشرين يرجع فى معظمة الى عوامل طبيعية ، بينما التغير فى عناصر المناخ الذى شهده النصف الثانى من القرن العشرين حتى الآن إنما يرجع فى الأساس الى عوامل بشرية .
ويرتبط التغير المناخى فى العصر الحديث الى حد كبير بما يرسلة الإنسان من ملوثات الى الغلاف الجوى خاصة ما يعرف بالغازات الدفيئة وأهمها غاز ثانى أكسيد الكربون CO2 والذى ينتج عادة عن : الصناعات المختلفة ( كتكرير النفط ومعامل انتاج الأسمنت وانتاج الطاقة الكهربائية ) – الصناعات التحويلية ( كصناعة البلاستيك والملابس ) – استخدام وسائل النقل حيث تعمل معظم السيارات والشاحنات والسفن والطائرات بالوقود الأحفورى – قطع الغابات حيث يتسبب بانبعاث غاز الكربون لأن الأشجار عند قطعها تطلق الكربون الذى كانت تخزنه وايضا الأشجار تمتص ثانى أكسيد الكربون فإن قطعها يحد ايضا من قدرة الطبيعة على إبقاء الانبعاثات خارج الغلاف الجوى . وايضا من ضمن الأسباب البشرية هى الغازات المنبعثة من مياه الصرف الصحى خاصة غاز الميثان الذى يعتبر أكثر خطرا بعشرة أضعاف من ثانى أكسيد الكربون .
لكن الأمر لا يتعلق فقط بتزايد درجات الحرارة إذ إن تغير المناخ يؤدى الى تغييرات متعددة تختلف بإختلاف المناطق وستتفاقم مع ازدياد درجة الحرارة ويشمل ذلك التغييرات : حدوث عواصف وفيضانات شديدة – زيادة الجفاف – ارتفاع درجة حرارة المحيطات مما يتسبب فى زيادة حجمها – التهديد بانقراض أنواع من الكائنات الحية – نقص الغذاء – مزيد من المخاطر الصحية – الفقر والنزوح .
رغم أن التغير المناخى ظاهرة عالمية إلا أن التكيف معها أمر ممكن ولا بد منه .
تتجه الحكومات والجهات المعنية فى مصر الى تبنى استراتيجيات للحد من الآثار السلبية مثل تحسين إدارة الموارد المائية , وتطوير الزراعة المقاومة للجفاف ، وتعزيز التوعية البيئية بين الناس ، حيث أن التعاون المجتمعى ودعم البحث العلمى يلعبان دورا كبيرا فى بناء مستقبل أكثر استدامة والحد من تفاقم هذه التغيرات .
فى النهاية ، فان التغيرات التى تشهدها الفصول فى مصر ليست مجرد تقلبات عابرة بل هى إشارة واضحة الى أن مناخنا يمر بمرحلة تحول كبيرة , وهذا الواقع يتطلب منا وعيا أكبر ، وفهما أعمق ومسؤولية مشتركة للحفاظ على بيئتنا وتكييف حياتنا مع هذه التغيرات المستمرة .
وهل يمكن أن نرى فى هذه التحديات فرصة لتجديد علاقتنا مع الطبيعة ؟، وكيف يمكن لكل منا أن يكون جزءا من الحل ؟ , تبقى هذه الأسئلة مفتوحة لتفكيرنا ولكل منا دور فى الإجابة عنها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى