نقد الأيديولوجيا والأدب المعاصر

نقد الأيديولوجيا والأدب المعاصر
كتب :حاتم عبدالهادي السيد
لقد طور ماركس بشكل صريح مفهوم النقد إلى نقد الأيديولوجيا وربطها بممارسة الثورة الاجتماعية، فكما صرح في أطروحته الحادية عشر الشهيرة حول فويرباخ: لقد اعتاد الفلاسفة على تفسير العالم فقط وبطرق مختلفة، لكن الهدف هو أن يتغير. وهناك سمة مميزة من سمات النظرية النقدية كما أوضحها هوركهايمر وأدورنو في (كتاب جدل التنوير 1947)، هي وجود تناقضات معينة متعلقة بالمصدر الأولي أو أساس الهيمنة الاجتماعية، إذ أن هذا التناقض قد أدى لتشاؤم النظرية النقدية الجديدة بشأن امكانية حرية وتحرر الإنسان. وكان هذا التناقض متجذرًا بالطبع، في الظروف التاريخية التي أُنتج فيها العمل في الأصل، وتحديدًا صعود الاشتراكية القومية، ورأسمالية الدولة، وصناعة الثقافة، بوصفهم صور جديدة تمامًا للهيمنة الاجتماعية، والتي لا يمكن تفسيرها على نحو كاف من داخل مصطلحات علم الاجتماع الماركسي التقليدي. ولقد أدى تدخل الدولة في الاقتصاد، وفقًا لأدورنو وهوركهايمر، إلى الإلغاء الفعلي للتوتر بين علاقات الإنتاج وبين القوى المادية المنتجة للمجتمع، وهو توتر وفقًا للنظرية النقدية التقليدية، يؤسس تناقضًا أوليًا داخل الرأسمالية. فالسوق (بوصفه آلية لا شعورية لتوزيع البضائع) تم استبداله بالتخطيط المركزي. ومع ذلك وعلى عكس تنبؤ ماركس الشهير في مقدمة مساهمة لنقد الاقتصاد السياسي، فإن هذا التحول لم يؤدي إلى عصر الثورة الاجتماعية، بل بالأحرى إلى الفاشية والشمولية. وعلى هذا النحو فإن النظرية النقدية تُركت، على حد تعبير هابرماس، بدون أي شيء تحتفظ به حتى يمكن استئنافه؛ فعندما تدخل قوى الإنتاج في تعايش مؤذي مع علاقات الإنتاج التي كان يُفترض أن تفتح الأبواب على مصراعيها، فإنه لم يعد هناك أي ديناميكية لذلك النقد يمكن أن تبني أملها. ووفقًا لأدورنو وهوركهايمر فإن ذلك يفترض مشكلة كيفية تفسير الثبات الظاهر للهيمنة، في ظل غياب التناقض الشديد الذي كان مصدرًا للهيمنة نفسها وفقًا للنظرية النقدية التقليدية.
ولقد أخذت النظرية منحى جديداً بظهور كتاب “يورجين هابرماس”:(المعرفة والمصالح البشرية)، من خلال تعريفه للمعرفة النقدية بوصفها قائمة على مبادئ تميزها إما عن العلوم الطبيعية أو الإنسانيات، عن طريق توجهها للتأمل الذاتي والتحرر. وعلى الرغم من عدم توافق هابرماس مع فكر أدورنو وهوركهايمر المقدم في كتاب ديالكتيك التنوير، فإنه يتبنى الرؤية التي ترى أن عصر الحداثة يتميز بابتعاده عن تحرير التنوير واقترابه من شكل جديد للاستعباد، وذلك وفقًا لصيغة العقلانية الأداتية. تتجاوز النظرية النقدية في عمل هابرماس جذورها النظرية في المثالية الألمانية، وتقترب في حركتها نحو البراجماتية الأمريكية. ثم ظهر هابرماس مستفيداً من هيجل وماركس ليحدثنا عن الإبستمولوجيا ومفاهيم : المجال العام، والفعل التواصلي؛ ويظهر هذا الأخير بوصفه رد فعل جزئي على التحديات الجديدة لما بعد البنائية أو ما يسمى (ما بعد الحداثة) في مواجهة خطاب الحداثة، وقد أيده ريتشارد رورتي في مسألة الفكر الذي يجتاز بشكل متكرر، الحدود بين علم الاجتماع والفلسفة.
وقد لا يعنينا بالطبع الحديث عن النظرية النقدية في مجالات العلوم والسياسة، لكننا أشرنا اليها؛لتدشين البدايات لمفهوم النظرية النقدية التى نشأت في أحضان العلوم الإجتماعية والفلسفية، ولكننا قد نحتاجها كذلك عند حديثنا عن نقد ما بعدالحداثة أيضاً .






