أخبار

مجاعة غزة: حين يعجز المال عن شراء الطعام

 

كتبت: رانيا سمير 

في غزة، الجوع ليس مجرد حالة طارئة، بل واقع يومي يتفاقم مع كل يوم حرب. هناك، لم تعد المشكلة في غياب المساعدات، بل في غياب ما يمكن شراؤه أساسًا. من قلب المأساة، يخرج أحد النشطاء الفلسطينيين برسالة موجعة، يقول فيها:
“كتير من إخواني المصريين تواصلوا معي حابين يتبرعوا، يا إخوان حتى لو تبرعتوا، ما في شي ممكن نشتريه…”

تصريحات قصيرة لكنها تختصر حجم الكارثة: انهيار شبه كامل في السوق، انفجار جنوني في الأسعار، وانعدام تام في المواد الغذائية الأساسية. فمن كان يستطيع في وقت سابق أن يساعد عائلة بـ500 جنيه أو حتى 1000، بات عاجزًا اليوم عن شراء كيلو دقيق أو سكر بـ9000 جنيه فلسطيني – ما يعادل أكثر من 20 ألف جنيه مصري.

لا مواد غذائية.. ولا سوق حقيقية

ما يحدث في غزة ليس مجرد “غلاء”، بل هو حصار اقتصادي ومجاعة صريحة. يقول الناشط نفسه، الذي رفض إطلاق حملات تبرع في الوقت الحالي:
“حتى لو قررنا نشتري، ما في مواد، والأسعار مش منطقية.. أنا ما بنصح حد يتبرع هسا، الأمانة كبيرة، والواحد روحه على كفه.”

هذا النداء المؤلم يعكس حجم العجز، ليس فقط في الإمكانيات، بل في جدوى المساعدة نفسها. فالمشكلة لم تعد في قلة التبرعات، بل في غياب السلع من الأصل، وفي عدم قدرة حتى المبالغ الضخمة على تأمين لقمة تسد رمق جائع.

حوشوا الآن.. وساعدوا بعد الهدنة

في خضم هذا الظرف الإنساني القاتل، يوصي صاحب الرسالة المصريين الراغبين في المساعدة بـ”توفير الأموال الآن” على أمل أن تنخفض الأسعار مع أي تهدئة أو هدنة مرتقبة. حينها، يمكن للمبالغ المتوفرة أن تطعم عشر عائلات بدلًا من واحدة، وقد تُحدث فارقًا حقيقيًا.

أما من يمتلكون عملات قوية – كالدينار الأردني، أو الريال والدرهم – فإن قدرتهم على المساعدة تظل أكبر، بفعل فارق القيمة الشرائية، حتى في ظل الغلاء الفاحش.

المجاعة الحقيقية لا تُرى دائمًا

في غزة، لا تُقاس المجاعة بعدد الجثث، بل بعدد الأمهات العاجزات عن توفير الحليب لأطفالهن، وعدد الطوابير الممتدة أمام أفران مغلقة، وعدد العائلات التي لا تجد سوى الماء والدموع على موائدها.

ليست المجاعة فقط صورة طفل هزيل الجسد. المجاعة أيضًا أن يكون لديك المال، لكن لا تجد ما تشتريه، وأن تتلقى آلاف الرسائل من أحباب يريدون مساعدتك، لكنك تعتذر لأنك لا تستطيع أن تكون صادقًا معهم، ولا أن تضمن لهم أن أموالهم ستُصرف في مكانها الصحيح.

تعيش غزة اليوم مجاعة مركبة: مجاعة غذاء، ومجاعة أمان، ومجاعة ضمير عالمي. وبينما تتضامن القلوب وتتدفق نوايا الخير من كل مكان، تظل الحقيقة أن الكارثة أكبر من قدرة الأفراد. وحدها التهدئة، وفك الحصار، والسماح بدخول المساعدات والسلع، هي ما قد يُعيد للأموال قيمتها، وللتبرعات جدواها، وللإنسان في غزة حقه في الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى