“السياسة الثقافية الثالثة.. كتاب جديد للدكتور حاتم الجوهري لتجديد القوة الناعمة العربية في القرن الـ21

حسام حفني
بالتواكب مع انعقاد مؤتمر اليونسكو العالمي الثالث للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة في مدينة برشلونة الإسبانية (الذي يعقد للمرة الثالثة بعد مرور أكثر من 40 عاما على المؤتمر الأول في مكسيكو سيتي 1982م، والمؤتمر الثاني مكسيكو سيتي 2022م)، وفي تأكيد على قدرة مصر على الحضور الدولي في لحظة تاريخية فارقة وتجديدا لقوتها الناعمة، يخرج للنور وفي إصدار خاص عن “مشروع المشترك الثقافي العربي”، كتاب الدكتور حاتم الجوهري ودراسته الجديدة بعنوان: “السياسة الثقافية الثالثة: إعادة التأسيس لمصر والعرب في القرن الـ21″، ليصبح الكتاب الثالث في مشروعه لتجديد القوة الناعمة العربية وفق أفق دولي وجيوثقافي يتابع اللحظة الدولية والإقليمية الراهنة ومتغيراتها، بعدما أصدر كتاب: “الدبلوماسية الثقافية البديلة”، وكتاب: مدرسة “الدراسات الثقافية العربية المقارنة”.
يأتي الإصدار الجديد في 290 صفحة من القطع الكبير، مقسما إلى بابين وكل باب إلى ثلاثة فصول، ومما صُدر به الكتاب في نبذته الخلفية يقول: “في زمن تتسارع فيه التحولات وتتلاطم المشاريع العالمية الكبرى الجديدة، وينعكس صداها على ربوع الأرض كافة، يجد الإنسان العربي نفسه في مفترق طرق وجودي عظيم، إزاء قرن جديد مضى ربعه الأول ثقيلا على الذات العربية، لتتجلى أمامنا أسئلة مصيرية تُلهب الروح وتستنهض العقل، هل نحن مجرد متلقين سلبيين لتيارات عالمية كاسحة، محكومين بالتبعية فيما مضى وفيما هو قادم أيضا، تطاردنا تحولات متسارعة تكاد تجرف كل من يقف أمامها؟ أم أن في أعماقنا إرثاً حضارياً متنوعا وشديد الثراء قادرًا على الإلهام والصعود، وأن يكسر دور المتفرج والمتلقي السلبي المغلوب على أمره، ويسعى لامتلاك زمام المبادرة الثقافية والحضارية؟”
يتناول الكتاب موضوع السياسة الثقافية المصرية وعيا بفضائها العربي، وبالإشارة إلى تعريف مفهوم “السياسة الثقافية” بوصفه جزءًا من السياسات العامة التي تمارسها الدول، وتتبناها مؤسساتها الرسمية في كافة قطاعاتها (مثلها مثل السياسة الاقتصادية أو السياسة التعليمية أو السياسة الخارجية وغيرهم)، ويقدم الكتاب إجمالا مشروعًا جديدا للسياسة الثقافية المصرية تحت اسم “السياسة الثقافية الثالثة”، على اعتبار أن العهد الجمهوري قد شهد من قبل سياستين ثقافيتين متمايزتين، الأولى مع الوزير ثروت عكاشة في عهد الرئيس عبد الناصر والثانية مع الوزير فاروق حسنى في عهد الرئيس مبارك.
ومشيرا إلى أن مصر شهدت تصورين ثقافيين متمايزين في العهد الملكي وما قبل الجمهوري، الأولى مع رفاعة الطهطاوي في عهد محمد علي، والثانية مع طه حسين في النصف الأول من القرن الـ20. وتنطلق رؤية الدراسة من أن السياسة الثقافية المصرية كان يحكمها دائما فكرة أو علاقة للجدل مع الآخر، فترى أن التصور الثقافي الأول مع الطهطاوي كان يقوم على التعايش مع الآخر، حيث اهتم الطهطاوي بعلوم الغرب والأخذ منها لكن في الوقت نفسه اهتم بالذات وعلومها وتراثها وآثارها، أما التصور الثقافي مع طه حسين فاتسم بالاستقطاب والانتصار للآخر على حساب الذات الشرقية والعربية، واعتبر أن مصر أكثر قربا للغرب عبر ثقافة البحر المتوسط.
وموضحا أنه في العهد الجمهوري ارتبطت السياسة الثقافية الأولى مع ثروت عكاشة بفكرة التحرر من الاستعمار وشعاراتها (التحرر من الآخر)، في حين كانت السياسة الثقافية الثانية في العهد الجمهوري مع فاروق حسني تتسم بحالة السلام والمهادنة مع الآخر (بعد اتفاقية كامب دافيد)، كما ترصد الدراسة ارتباكات السياسة الثقافية فيما بعد ثورة 25 يناير، مرورا بالأزمات الدولية والإقليمية وصولا إلى حرب غزة، ومأزق الذات العربية وسردياتها التاريخية التي انسدت بها وتفكك بعض الدول العربية، لتطرح تصور الحاجة إلى سياسة ثقافية جديدة أسمتها “السياسة الثقافية الثالثة” استنادا إلى أنها ستكون الثالثة في العهد الجمهوري..
وتطرح لها تصورا في الجدل مع الآخر؛ يقوم على مابعد مرحلتي “التحرر من الاستعمار” و”السلام والمهادنة”، مطلقة عليها اسم سياسة “التمايز والصعود الثقافي” تجاه الذات والآخر، الشق الأول للتمايز تجاه الذات يكون بالاستناد الموضوعي لطبيعة “مستودع الهوية” المصري متراكم الطبقات المتجاورة والمتعايشة عبر التاريخ، والذي يرتبط بمفهوم “مثقفو الكتلة الجامعة” الذين يدافعون عن ثوابت مستودع الهوية ومشتركاته الثقافية بفطرتهم وفي بعدها العربي، والشق الثاني للصعود تجاه الآخر يقوم على طبيعة الحضارة المصرية بوصفها حضارة متصالحة مع الذات والآخر، منحتها الطبيعة التضاريس الجغرافية الحامية، والموارد المائية فلم تنشغل بالآخر وتصالحت معه ومع نفسها اكتفاءً بمواردها، وفي الوقت نفسه يقوم شق الصعود على الدعوة لتجاوز مشروع الصدام الحضاري الذي ترفع لواءه أمريكا حاليا، ومن خلفه تجاوز المسألة الأوربية ومتلازماتها الثقافية وتصور أن هناك حضارة مطلقة وشمولية ومركزية ونهائية، تصلح لكل البلدان والأوطان وفي مكان وكل زمان.
ويرصد الكتاب مشكلته بوضوح في عجز المشاريع والسرديات الكبرى العربية والسياسيات الثقافية المرتبطة بها، عن التصدي للموقف العالمي الراهن في القرن الحادي والعشرين وانعكاساته على المنطقة الإقليمية وتشقاقاتها والتيه والتفكك الذي ضربها، ومبينة صعوبة موضوعه في نقاط عدة منها: عدم اعتراف البعض بفشل المقاربات الثقافية القائمة وعجزها وانسدادها، وتمسك البعض الآخر بمقاربات ثقافية تجاوزها الزمن بحجج شخصية عاطفية تقوم على الحنين والذاتية والتمسك بالماضي وأمجاده، أو بدوافع جماعية ترتبط بأيديولوجيات ما أو تجارب مؤسساتية أو ظرفيات تاريخية سابقة.
وبيرز الكتاب/ الدراسة فرضيته المركزية بوصفها العامل الرئيس المتحكم في موضوع السياسة الثقافية المصرية، وفي الوقت نفسه يطرح فرضية بديلة لاعتماد الدراسة على منهج فلسفة البدائل والاستشراف العلمي القائم على تحليل النمط التاريخي للظاهرة، والفرضية التي تطرحها لمقاربة النمط الثقافي التاريخي وسياساته، تقوم على أن السياسة الثقافية المصرية ارتبطت في العصر الحديث بعنصر رئيس وحاكم أو عامل وقيمة مركزية محددة، وهو عامل الجدل بين الذات والآخر، أي أن السياسة الثقافية المصرية في العصر الحديث كانت تقوم في محورها على فكرة تجاه الآخر وتجاه الذات معا، من ثم فإن السياسة الثقافية المستقبلية البديلة الجديدة التي تسعى إليها الدراسة يجب أن تضع تصورا ورؤية جديدة لعلاقة الذات والآخر، بعد دراسة النمط والشكل التاريخي لهذه العلاقة، والقائم على وجود أربعة تصورات للسياسة الثقافية مرت بها مصر الحديثة، تصوران في المرحلة الملكية وتصوران في المرحلة الجمهورية، حمل كل منهما رؤيته للعلاقة والجدل بين الذات والآخر، لتخرج الدراسة بعد بحث معمق للأنماط الأربعة بمشروع سياسة ثقافية مستقبلية جديدة تحمل تصورا جديدا لعلاقة الذات بالآخر، أسمتها السياسة الثقافية الثالثة، استنادا لأن المرحلة الجمهورية مر عليها سياستين ثقافيتين فقط، وتكون أطروحة الدراسة هي السياسة الثقافية الثالثة في المرحلة الجمهورية (والخامسة عموما).
فيما يخص أبواب الدراسة وفصولها؛ يأتي الكتاب في بابين كل باب من ثلاثة فصول، الباب الأول بعنوان “بحثا عن السياسة الثقافية الثالثة”؛ والذي ستؤسس فيه الدراسة لنظريتها في الثقافة أو السياسة الثقافية والسردية التي تسعى لتقديمها.
• يتكون الفصل الأول (مفهوم المثقف و’مثقف الكتلة الجامعة’ بديلا) من أربعة مباحث هي: (تمثلات الشمولية في مفهوم “المثقف” عند الذات الأوربية- التمرد على الشمولية في مفاهيم “المثقف” عند الذات الأوربية- التلقي العربي لمفاهيم المثقف بين الشمولية والشمولية المضادة- مثقفو الكتلة الجامعة بديلا للخروج من الانسداد).
• يتكون الفصل الثاني (السياسة الثقافية المصرية: أزمة التاريخ والراهن) من أربعة مباحث هي: (التصور الثقافي لمصر الحديثة فيما قبل 1952م – السياسة الثقافية لدولة ما بعد الاستقلال فيما بعد ثورة 1952م- السياسة الثقافية ومحدداتها فيما بعد 2011م- نقد مسارات السياسة الثقافية لفترة ما بعد 2011م).
• يتكون الفصل الثالث (السياسة الثقافية الثالثة: “التمايز والصعود الثقافي” بديلا) من أربعة مباحث هي: (الوعي باللحظة التاريخية وسياسة “التمايز والصعود الثقافي” – الأسس الفكرية لسياسة “التمايز والصعود الثقافي” – نطاقات العمل لسياسة “التمايز والصعود الثقافي” – التطبيق المدمج لسياسة “التمايز والصعود” ومحاوره في قطاعات الثقافة).
في الباب الثاني بعنوان: “في تمثلات السياسة الثقافية الثالثة الجديدة”؛ تقدم الدراسة إجمالا تمثلات لمشروع السياسة الثقافية الثالثة في ثلاثة فصول.
حيث يتكون الفصل الأول (السياسة الثقافية الثالثة وصورة الذات عند الآخر) من أربعة مباحث هي: (الترجمة ومحددات تغيير الصورة النمطية العربية – إشكاليات الترجمة للآخر في سياق التدافع الحضاري – جدل الذات والآخر في منهجين للترجمة -أطر الترجمة للآخر من اللغوي إلى الخطاب والتلقي وتطبيقاتها -).
أما الفصل الثاني (السياسة الثالثة الثقافية وصورة البطل الجمعي عند الذات) فيتكون من أربعة مباحث هي: (البطل المضاد المتكيف ونظرية الفن في الدراما المصرية – صورة للبطل المضاد بعد الثورة بين الدراما والمهرجان – العنف وتطويب البطل المضاد.. مسلسل رحيم أنموذجا – ما بعد مسلسل الاختيار والفرصة البديلة لصورة البطل الشعبي).
و يتكون الفصل الثالث (السياسة الثقافية الثالثة وما بعد الثنائيات الحدية) من أربعة مباحث هي: (تمثلات الثنائية الحدية بين الثقافة والحضارة- الدبلوماسية الثقافية بين البدائل والمركزية – المطلق والنسبي: بين الخرافة والبديل – إعادة إنتاج الثنائيات الثقافية وكشفها في القرن الـ21 ).