الكاتب حاتم عبدالهادي السيد يكتب : الشعر في نيجيريا وتشاد
الكاتب حاتم عبدالهادي السيد يكتب : الشعر في نيجيريا وتشاد
ولعلّ أقدم النصوص الشعرية التي وصلتنا حتى الآن لشعراء غربي إفريقيا السودانيين هي ما عُثر عليه لبعض الفقهاء السودانيين أمثال: أحمد بابا التمبكتي، والطالب بن محمد بن الطالب عمر الخطاط بن محمد نض، والشيخ يحي التدلسي، وعبد الله بن محمد القاضي، والفقيه أميننا بن الفقيه مالك.
ولكن يصعب علينا تحديد ذلك تاريخياً، أو الإشارة إلى أول من ابتدأ قرض الشعر من الشعراء الأفريقيين باللغة العربية، فهذا الشاعر محمد البخاري بن أمير المؤمنين الشيخ المجاهد عثمان بن فوديو الفلاني (ت 1754م)، يمدح عمّه عبد الله بقوله (من بحر الكامل):
أصحوت أم هاجـت هواك منـازلُ عفـى معارفَها البـِلَى وهـواطـلُ
(بتلاثامـي) أو (بجـن) فسما بها إلا نعـام تـرتـعي وفـرا عــلُ
دار عهـدت بها الحلول وكلّ مـن أهوى معـي والعيـش غضٌّ باجلُ
ولقد وقـفت برسـمها مسـتخبراً عـن أهلهـا والدمع منّي سائــل
لله درك! هـل وقـوفـك نافــعٌ برسـومها أم هل لدمعك طائــلُ!
وبعد هذه المقدمة الطَّلَلية على مذهب شعراء العرب الجاهليين، يصل الشاعر إلى بيت الانتقال، أو كما سمّاه البلاغيون «حسن التخلص»، فيقول :
فدع الديار واذكر أخدان الهـوى وخرائـد في مشــيها تتمايــلُ
وبدلاً من أن يتغزل الشاعر بمحبوبته على عادة الجاهليين؛ إذا به يتزهّد، ويعدد النصائح الطويلة، مثل قوله :
واسلك طريق أولي الهداية واغتنم فرصـاً تمر وأنـت منـها غافــلُ
وازهد عن الدنيـا فإنّ نــعيمها أضغـاثُ أحـلامٍ وظــلٌّ زائــلُ
وابغِ السيادة بالعلـوم فما استوى في المجد ذو علمٍ ومَن هو جاهــلُ
ثم ينتقل إلى ممدوحه، وفي تعداد مناقبه بمثل قوله :
ولقد حباك الدهر شـيـخاً ما لـه في العلم في تـلك الأراضي ماثــلُ
وواضح هنا الطابع العام لمثل هذا الشعر من حيث ألفاظه وأبنيته وصوره ومحسّناته البديعية، إنه امتداد طبيعي للشعر في منابعه الأصلية في الوطن العربي، كذلك فقد حرصت كثير من قصائد هذا المديح على إبراز الذخيرة اللغوية العربية، وإظهار التمكّن الواسع من اللغة العربية، ومعرفة أشعار الفحول من العرب القدامى، لتكون بين أيدي الطلاب نصوصاً للدراسة والإحاطة بهذه اللغة.
والواقع أنَّ انقطاعَ الصلة بين علماء القارة الأفريقية وأدبائها ونظرائهم في المشرق والمغرِبِ العربيين، أدَّى إلى أن ينموَ الشعر العربي الأفريقي نموّاً ذاتيّاً داخل بيئته القديمة، وضمن بنيته الفنية التقليدية، فالصِّلات العلمية التي تزامنت مع الصِّلات التجارية إبَّان ازدهار الممالك الأفريقية لم تستمرَّ في ربط شمال القارَّة بجنوبها؛ على الرغم من حصول نوعٍ من التحسُّن في مجال الاتِّصالات ناتجٍ عن الكشوف الجغرافية والاختراعات العلمية.
إنَ هذه النهضةَ العلميةَ المباركةَ لم تأخذ في الاعتبار الأدبَ الإِقْريقِي كتراثٍ قيِّمٍ لا يقلُّ أهميَّةً عن الأدب العربي الأندلسي، وكان – مثله – قد نشأ في مناخٍ غيرِ عربيٍّ، وفي بيئةٍ جغرافيةٍ غير عربيةٍ كذلك، ولقد ظلّ هذا الإنتاجُ الضخمُ مدوَّناً في مخطوطات قديمة لم تستطع مقاومةَ الزمان طويلاً، فذهب الكثير منها ضحيَّةًً للضياع أو الحرائق أو التلف، وبقي القليل منها مُتَفَرِّقاً لا يضُمُّه مكانٌ، ولم يَحْظَ – في الواقع – أيُّ إنتاجٍ علميٍّ عربيٍّ إفريقيٍّ باهتمام الباحثين العرب وعنايتهم، ولم تَجْرِ محاولةٌ لإدراج روائع الشعر العربي الأفريقي ضمن النصوص الأدبية التي تُدَرَّس في الأدب العربي، ولا يتضمَّن تاريخُ هذا الأدب إشارةً إلى ما أنتجه الأفارقة من أعمال أدبية تمثّل حلقة مُهِمَّةً من سلسلة الأعمال العظيمة التي خلَّفها رجالُ الأدب العربي على امتداد التاريخ.
دور اللغة العربية في الحفاظ على عروبة القارة الإفريقية