مقالات

بين احترام الدستور وحماية الأمن القومي: هل حان وقت إلغاء الانتخابات وتمديد البرلمان لعام انتقالي؟

بقلم/ الكاتب والسياسي
سيد حسن الأسيوطي – منسق ائتلاف «احنا الشعب»

لم تعد القضية مجرد منافسة انتخابية خسر فيها طرف وربح آخر، ولا مجرد ملاحظات متفرقة على أداء بعض اللجان أو سلوك بعض المرشحين. نحن أمام مشهد انتخابي شابَه بشهادة الوقائع لا الشعارات.
حجم كبير وخطير من الخروقات الفجّة والممارسات الصادمة، يكفي وحده لطرح سؤال خطير: هل يمكن أن تتحول الانتخابات – إذا تُركت بهذه الصورة – إلى تهديد حقيقي لأمن الدولة واستقرارها الداخلي؟

نعم، ليس سرًا أن المال السياسي تمدد في السنوات الأخيرة، وأن الأثرياء الجدد وبعض شبكات المصالح استطاعت أن تفرض حضورها بقوة في المشهد الانتخابي، سواء عبر شراء الأحزاب أو الأصوات بشكل سافر، أو توظيف حالة الاحتياج لدى بعض المواطنين، أو إغراق الدوائر بإنفاق دعائي خيالي لا يستطيع المرشح الجاد النظيف أن يقترب منه. الخطر هنا ليس على «نزاهة المنافسة» فقط، بل على منطق الدولة بشكل عام؛ إذ تتحول السلطة التشريعية إلى ساحة مغلقة على أصحاب الثروة والقدرة المالية، بينما تتراجع فرص أصحاب الكفاءة والفكرة والمشروع الوطني الحقيقي.

ومتى شعر المواطن أن البرلمان لا يُمثله، وأن صوته لا قيمة له أمام سطوة المال، يبدأ الشرخ في الثقة بين الشعب ومؤسسات الحكم. وهذا الشرخ هو أخطر ما يهدد الأمن القومي على المدى البعيد؛ لأنه يفتح الباب أمام موجات غضب صامتة، أو عزوف كامل عن المشاركة، أو بحث عن بدائل خارج إطار الدولة.

قد يظن البعض أن مجرد طرح فكرة «إلغاء نتائج الانتخابات» يعد دعوة إلى الفوضى أو إسقاط شرعية المؤسسات، وهذا فهم خاطئ وقاصر في آن واحد. فالإلغاء – إذا حدث – لا يكون قرارًا سياسيًا انفعاليًا يُتخذ بليل، بل لا بد أن يكون قرارًا دستوريًا وقانونيًا يستند إلى ما تكشفه الأجهزة الرقابية والقضائية من خروقات جسيمة، وما تُقرره الهيئة الوطنية للانتخابات والقضاء المختص من بطلان أو عدم سلامة العملية برمتها أو في أجزاء جوهرية منها. في هذه الحالة لا يكون الإلغاء عدوانًا على استقرار الدولة، بل ضمانة لحمايتها من برلمان مشوّه ومختطف بالمال والمصالح، ومن مرحلة قادمة مليئة بالتشريعات المشكوك في سلامتها والمنحازة لفئة على حساب شعب كامل.

الإلغاء المسؤول، المستند إلى أحكام قضائية ومعطيات قانونية واضحة، هو رسالة تقول للمجتمع: إن الدولة لا تقبل أن تُبنى مؤسساتها التشريعية على أساس فاسد أو مشوّه، حتى لو كلّفها ذلك مواجهة لحظة انتقالية صعبة.

وهنا يبرز سؤال آخر لا يقل أهمية: إذا تم إلغاء نتائج انتخابات مجلسي النواب والشيوخ الحالية، فكيف نتجنب الوقوع في فراغ تشريعي ومؤسسي؟ الواقع يقول إن لدينا اليوم مجلس نواب ومجلس شيوخ قائمين بالفعل، ولم تنتهِ مدتهما الدستورية بعد، وهذا يفتح بابًا يمكن – لو وُجد له مخرج دستوري وقانوني – أن يُستفاد منه كـ«جسر آمن» لعبور المرحلة الانتقالية بدلًا من سقوط الدولة في فراغ.

الفكرة التي نطرحها للنقاش ليست فرضًا، بل اجتهادًا بدافع وطني خالص؛ فليس لديّنا أي مصلحة سوى الحفاظ على أمن الدولة العليا واستمرار استقرار الجبهة الداخلية الوطنية التي يتميز بها الشعب المصري العظيم. هذه الفكرة نعرضها ونضعها أمام كافة الأجهزة المعنية وأهل الاختصاص من الحكماء والعلماء في القانون والدستور، ومختصرها: إذا أثبتت التحقيقات والطعون والأحكام القضائية أن حجم الخروقات في الانتخابات الأخيرة جسيم ومفزع، ويهدد سلامة التمثيل النيابي، وإذا انتهت الجهات المختصة إلى ضرورة إلغاء النتائج وإعادة تنظيم المسار الانتخابي، فيمكن عندها دراسة التمديد لمجلس النواب ومجلس الشيوخ الحاليين مدة عام واحد فقط، باعتباره حلًا انتقاليًا استثنائيًا، ومخرجًا دستوريًا يتم عبر تعديل تشريعي واضح، وباتفاق مؤسسي وقضائي يحدد بجلاء أن التمديد هدفه «الإصلاح وإعادة البناء»، وأنه غير قابل للتجديد أو التحايل، وأنه مقصور على مدة زمنية محددة لا تتكرر. بهذا نضمن ألا تغيب السلطة التشريعية عن المشهد، وفي الوقت نفسه نمنح الدولة فرصة ذهبية لإعادة هندسة حياتها السياسية من جديد.

هذا العام الانتقالي لن يكون وقتًا ضائعًا، بل ورشة عمل كبرى يُعاد فيها النظر في كل ما أدى بنا إلى هذا المشهد الانتخابي العبثي؛ عام تُطرح فيه، بكل صراحة ووضوح وبجرأة، قضية إصلاح قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر بما يحقق توزيعًا عادلًا يضمن تمثيلًا حقيقيًا للريف والحضر، للصعيد والدلتا، وللمناطق الحدودية والمهمشة، وتُدرس فيه أيضاً نظم انتخابية أكثر توازنًا بين القوائم والفردي، تمنع الاحتكار وتفتح الباب أمام تعددية حقيقية لا شكلية. عام تُوضع فيه ضوابط صارمة للمال السياسي والإنفاق الانتخابي، بتحديد سقف واضح للإنفاق، وإلزام كامل بالشفافية والإفصاح عن مصادر التمويل، وفرض عقوبات فورية ورادعة تصل إلى إسقاط عضوية من يثبت تورطه في شراء الأصوات أو الفساد الانتخابي.

وفي هذا العام ذاته، يمكن إعادة تنظيم الحياة الحزبية بمواجهة ظاهرة الأحزاب الورقية والعائلية والشللية التي لا وجود لها في الشارع، وتشجيع اندماج الكيانات الصغيرة المتشابهة في برامجها( طواعية)، ودعم الأحزاب الجادة التي تمتلك رؤية وبرنامجًا وهيكلًا وتنظيمًا حقيقيًا، جنبًا إلى جنب مع تعزيز استقلالية الهيئة الوطنية للانتخابات والرقابة المجتمعية، عبر توسيع مشاركة منظمات المجتمع المدني والنقابات في متابعة الانتخابات، وضمان وصول الإعلام إلى كل مراحل العملية، وحماية القضاة والمشرفين من الضغوط بما يصون استقلالهم وهيبتهم.

وللعلم والإحاطة، وبعيدًا عن التهويل أو التهوين وغلقًا للباب أمام المغرضين والمتربصين وأصحاب المصالح والحاقدين، لا يستطيع أحد أن يزعم أن رئيس الجمهورية يملك منفردًا سلطة إلغاء نتائج الانتخابات أو وقف المسار الانتخابي لمدة عام بقرار إداري؛ فالدستور واضح في إسناد الاختصاص للهيئة الوطنية للانتخابات والقضاء الشامخ. لكن لفخامة السيد الرئيس، في المقابل، دور دستوري وسياسي محوري لا يمكن إنكاره، فهو رأس الدولة، وضامن احترام الدستور، وصاحب الكلمة الأعلى في رسم الاتجاه السياسي العام.

من هنا، فإن ما نطرحه ليس «طلبًا للرئيس كي يخرق الدستور»، بل دعوة له لقيادة مسار إصلاحي دستوري وقانوني، يتحقق عبر حوار وطني جاد، وتقديم مشروعات قوانين إصلاحية، واحترام كامل لأحكام القضاء وقرارات الهيئة الوطنية للانتخابات، وبناء توافق داخلي على أن مصر مقبلة على مرحلة «تصحيح من الداخل»، لا هدم للمؤسسات الوطنية العريقة.

لقد أصبح الخوف اليوم مشروعًا، لأن ما شاب الانتخابات من ممارسات فجّة ومهينة قد يفتح الباب – إن لم يتم العلاج – أمام سنوات من الاحتقان الصامت واليأس من جدوى المشاركة. وبرغم ذلك، ما زال الأمل أيضًا مشروعًا، بل وواجبًا، خاصة بعد ما أظهرته المؤسسات الوطنية من شجاعة في الاعتراف بالمشكلة ومحاولة تصحيح بعض الأخطاء التي حدثت في المرحلة الأولى من الانتخابات. ونحن لا ندعو إلى اختراق الدستور والقانون، بل نطالب بإصلاح يحمى أمن الدولة من الداخل، ويعيد الاعتبار لدور المواطن، ويؤكد أن مصر دولة قانون لا دولة صفقات انتخابية.

إن اقتراح إلغاء انتخابات شابها ما شابها من خروقات مفزعة، مع التمديد لعام واحد لمجلسي النواب والشيوخ القائمين – إذا وُجد له مخرج دستوري وقانوني واضح – ليس مقامرة بمستقبل الوطن، بل محاولة لإنقاذه من مستقبل أكثر خطورة، حيث تُدار السياسة بالمال لا بالمبدأ، وبالمصلحة الضيقة لا بالمصلحة العامة. إننا نضع هذا التصور بين يدي القيادة السياسية الوطنية الحكيمة، وعلى رأسها فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، إيمانًا منا بأنه صاحب فكر ورؤية واضحة لبناء جمهورية جديدة تقوم على مبادئ الشفافية والنزاهة والمساواة.

حفظ الله مصر من كل سوء، وجعل قرارها دومًا في صالح شعبها ومستقبل أجيالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى