«لازم نفهم» الفرق بين التطاول غير المسؤول على الدولة… وبين المعارضة والمطالبة المشروعة

بقلم/ الكاتب والسياسي المصري
سيد حسن الأسيوطي – منسق ائتلاف «إحنا الشعب»
في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها الدولة المصرية، داخليًا وإقليميًا ودوليًا، أصبح لزامًا علينا أن نُعيد حساباتنا، وأن نُعيد تعريف بعض المفاهيم التي اختلطت على البعض؛ إمّا بحسن نية مقرون بجهل بالمسؤولية الوطنية، أو بسوء نية ورغبة في الهدم والتشويه وإشاعة الفوضى.
لم يعد مقبولًا – ولا منطقيًا – أن نرى بعض الأصوات تتعامل مع مؤسسات الدولة ورموزها القيادية، من رئيس الجمهورية إلى وزراء ومحافظين ومسؤولين، بنفس اللغة المتدنية التي تُستعمل في مشاجرات المقاهي أو المشادات على مواقع التواصل الاجتماعي.
عزيزي القارئ، إن الدولة ليست خصمًا في معركة شخصية، وليست شركة خاصة نُهاجمها إذا لم تعجبنا الإدارة؛ الدولة كيان باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والأنظمة تتغير، والحكومات تتبدل، لكن الوطن إذا سقط أو اهتز لن نجد وطنًا بديلًا.
ولهذا فإن الحفاظ على الدولة واجب وطني، حتى ونحن نختلف مع بعض سياساتها أو مسؤوليها.
ومن جهة أخرى، ليس هناك عاقل يطلب من الشعب أن يسكت على الخطأ، أو أن يصفّق للسياسات بلا وعي، أو أن يحوّل الوطن إلى صنم لا يُمسّ. النقد البناء والمعارضة الوطنية حقان أصيلان، بل واجبان، لأنهما وسيلة التصحيح وتطوير الأداء، فالنقد الوطني شريك في بناء الدولة لا خصم لها. لكن ذلك يكون بشرط احترام ثوابت الدولة، وفي مقدمتها القوات المسلحة والشرطة والمؤسسات السيادية الوطنية العريقة، والدستور والقانون، ووحدة الشعب وسلامة النسيج الوطني.
ولا يجوز أن نبني مواقفنا على منشور مجهول أو تسريب مفبرك أو فيديو مُجتزأ، ثم نُصدر أحكام إعدام على الدولة ومسؤوليها.
نعم، من حق كل مواطن أن ينتقد وزيرًا أو محافظًا أو مسؤولًا، لكن عبر قنوات شرعية واضحة، مثل مجلس النواب، والأحزاب والقوى السياسية، والصحافة والإعلام المسؤول، والشكاوى الرسمية إذا لزم الأمر، لا عبر حملات سبّ وقذف وتشويه على وسائل التواصل الاجتماعي تسعد أعداء الدولة في المقام الأول وتُحبط المواطن البسيط.
فحين يتحول النقد إلى سباب، والاعتراض إلى تشويه، والمطالبة إلى تحريض، فنحن لم نعد أمام معارضة وطنية، بل أمام تطاول غير مسؤول على الدولة ومؤسساتها.
عزيزي القارئ… مصر اليوم في مواجهة تحديات اقتصادية ضاغطة، وتهديدات أمنية وإقليمية، وصراعات دولية تُستخدم فيها الحرب النفسية والإعلامية سلاحًا رئيسيًا. وأصبح الكلام غير المسؤول، في كثير من الأحيان، سلاحًا أخطر من الرصاص ودانات المدافع. إن العبث بالوعي الجمعي، ونشر اليأس، والتحريض على كراهية كل ما هو رسمي، ليست بطولة ولا شجاعة، بل عدوان على الأمن القومي بأبسط معانيه.
نعم، للمواطن حق أن يغضب، وأن ينتقد الغلاء، وأن يطالب بالإصلاح، وأن يختلف مع سياسات الحكومة، لكن ليس من حق أحد أن يحوّل هذا الغضب إلى دعوات لهدم الدولة، أو إسقاط مؤسساتها، أو تشويه القيادة السياسية والأجهزة المعنية، أو بث رسائل تُصوِّر مصر وكأنها دولة فاشلة على حافة الانهيار.
عزيزي القارئ… لم تعد المعركة اليوم معركة رصاص ومدافع ودبابات فقط، بل معركة وعي وكلمة وصورة على شاشات الهواتف قبل شاشات التلفزيون. وقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب نفسية مفتوحة، يختلط فيها الحق بالباطل، والوعي بالشائعة، والناصح الأمين بالمندسّ الباحث عن هدم الدولة.
من حق كل مواطن أن يكتب رأيه وينتقد القرار الذي يرفضه، لكن ليس من حق أحد أن يشتم أو يحقّر أو يتطاول على مؤسسات الدولة ورموزها، وليس من حق أحد أن ينشر شائعة لم يتحقق من صحتها لمجرّد أنه سمعها أو قرأها أو تناقلها الناس، وليس من حق أحد أن يروّج لمحتوى يُضعف ثقة الناس في بلدهم، أو يُحرّض على الكراهية والعنف والانقسام.
إن الكلمة على السوشيال ميديا لم تعد مجرد فضفضة شخصية، بل قد تكون سببًا في إشعال فتنة، أو ترويج شائعة تهز الاقتصاد، أو إساءة لسمعة مؤسسات الدولة في الخارج والداخل. لذلك، فإن ضبط الخطاب العام على المنصات الإلكترونية لم يعد ترفًا، بل واجبًا وطنيًا؛ فعلى المواطن أن يتحرى الحقيقة قبل المشاركة أو التعليق، وعلى النخبة أن تقود الناس إلى وعي لا إلى فوضى،
وهنا يبدأ الدور الأهم للنخبة السياسية والإعلامية، وكذلك للمعارضة الوطنية؛ فقد أصبح على الجميع واجب مضاعف. لابد من توعية المجتمع بالفرق بين الدولة والنظام؛ فمن حق كل مواطن أن يختلف مع السياسات أو يرفض أداء بعض الوزراء والمسؤولين في الحكومة، لكن لا يجوز أن يتحول الخلاف إلى معول لهدم الوطن، أو إلى تقليل من قيمة الدولة ومؤسساتها.
إن المعارضة الحقيقية ليست هجومًا دائمًا، بل رؤية وبرنامجًا وحلولًا واقعية وأرقامًا وحسابات دقيقة، لا شعارات رنانة أو انفعالات زائفة.
عزيزي القارئ، احذر… هناك من ينتظر أي أزمة أو قرار اقتصادي أو موقف سياسي ليصطاد في الماء العكر، ويحوّل النقاش إلى هجوم شامل على الدولة، وهنا تظهر قيمة السياسي الوطني والإعلامي المسؤول الذي يضبط الإيقاع، وينتقد ما يشاء، ولكن دون أن يحرق البيت بالكامل.
أيها المواطن المصري العظيم بمواقفه الوطنية عبر التاريخ…
لا تسمح لأحد أن يزايد عليك في حب مصر؛ لا من يدّعي أنه المعارض الوحيد الشريف، ولا من يظن أن الوطنية تعني أن نصفق لكل شيء. من حقك أن تسأل: أين الحلول؟ أين العدالة الاجتماعية؟ أين الرقابة على الفساد؟ ومن حقك أن تقول: هذا القرار أضرّ بي، وهذا المسؤول أخطأ. ومن حقك أن تحاسب من خلال الدستور والقانون وصندوق الانتخابات ووسائل التعبير المشروعة. لكن احذر ممن يحوّلون وجعك المشروع إلى وقود لمعاركهم الخاصة، وممن يدفعونك للصدام مع الدولة ثم يختفون عن المشهد.
إن مصر تحتاج إلى سلطة تحكم وتتحمل المسؤولية، وإلى معارضة وطنية قوية تراقب وتحاسب وتقترح وتُصحح المسار، لكن لا هذه ولا تلك تُغني عن احترام الدولة كإطار جامع وخط أحمر ومرجعية عليا.
الفارق واضح بين من يقول: «أرفض هذا القرار لأن له أضرارًا، وأقترح كذا وكذا…» وبين من يصرخ: «هذه دولة فاسدة، وكل من فيها خونة ولصوص…».
الأول معارض وطني، والثاني جزء من معركة هدم الوعي والدولة.
نحن في أمسّ الحاجة إلى جرأة في النقد، وشجاعة في كشف الفساد، ووضوح في المطالبة بالإصلاح، لكننا في الوقت نفسه نحتاج إلى وعي يفرّق بين الدولة وثوابتها من جهة، وبين الحكومة أو المسؤول الذي يخطئ ويصيب من جهة أخرى. فلنختلف كما نشاء، ولننتقد كما نشاء، ولكن دون أن نُسلّم وطننا لمن يريد تمزيقه بحجة الحرية، ودون أن نجعل من التطاول على الدولة بطولة زائفة يصفق لها الجهلاء ويستغلها الأعداء.
مصر أكبر وأهم، ومصر فوق الجميع، وستبقى ما بقي هذا الشعب واعيًا،
يفهم أن هناك فرقًا جوهريًا بين نقدٍ يُصلح… وتطاولٍ يُسقط.
حفظ الله الوطن… وتحيا مصر بوحدتها دائمًا وأبدًا





