المصريون… شعب الله المختار ” حقائق راسخة”

بقلم/ سيد حسن الأسيوطي
منسق ائتلاف «إحنا الشعب»
ورئيس منتدى السلام العربي
هل يمكن أن نصف المصريين بأنهم «شعب الله المختار»؟
نعم… ليس من باب المجاملة ولا من باب التعالي على شعوب الله الأخرى، بل من باب قراءة هادئة لحقيقة ثابتة عبر التاريخ، تؤكد أن هذا الشعب لم يكن يومًا عابرًا في مسرح الإنسانية، ولا كانت أرضه مجرد مساحة على الخريطة.
إنها حقيقة راسخة عند من يتأمل مسار الأنبياء والرسل والحضارات: أن مصر كانت وما زالت ساحة اختيار إلهي متكرر، لأدوار كبرى وأمانات ثقيلة.
تبدأ الحكاية من بعيد… من نبي كريم هو إدريس عليه السلام، الذي تشير الروايات إلى أنه أول حفيد لأدم عليه السلام و أول من خطّ بالقلم، وأول من علّم الناس علوم الفلك والطب والهندسة والإدارة وغيرها من العلوم التي قامت عليها الحضارات من بعده. هذا الارتباط بين مصر وبين بدايات العلم والمعرفة والتنظيم ليس صدفة؛ فالأرض التي تحتضن نبيًّا يحمل رسالة العلم الأولى ليست أرضًا عادية، والشعب الذي يتوارث أثر هذه الرسالة عبر آلاف السنين ليس شعبًا هامشيًا.
ثم نصل إلى محطة أخرى من محطات الاختيار الإلهي، حين اختار المولى عز وجل أرض مصر لتكون مسرحًا لتجليات قدرته وآياته مع نبيه وكليمه موسى عليه السلام. على هذه الأرض تربّى موسى، وواجه الطغيان، وشهدت مصر آياتٍ هي من أعظم ما عرفه تاريخ الرسالات. هذه ليست مجرد قصص تُروى، بل إشارات عميقة إلى أن مصر كانت قلبًا لأحداث كونية كبرى، وأن هذا الشعب كان شاهدًا مباشرًا على صراع الحق مع الباطل، والعدل مع الاستبداد.
ثم نأتي إلى أبي الأنبياء، إبراهيم عليه السلام، الذي مرّ بأرض مصر، وارتبط بها في مسار حياته وخطّ رحلته، وكأن هذه الأرض محطة إلزامية في طريق الأنبياء والرسل. ومن بعده تأتي رحلة العائلة المقدسة: السيدة مريم العذراء، وابنها النبي العظيم عيسى عليه السلام، اللذان اتجها إلى مصر ملاذًا وحمايةً من بطش الظلم والاضطهاد. هل هي مصادفة أن تصبح مصر ملجأً للأنبياء وأهلهم؟ أن تتحول أرضها إلى حضن آمن حين تضيق الأرض بما رحبت؟ هذا في حد ذاته شهادة اختيار، لا تحتاج إلى بيان طويل.
ويكتمل مشهد الاختيار برسالة الإسلام الخاتمة، إذ آوى إلى مصر عددٌ من آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستقر بعضهم فيها، فأصبحت مصر بلدًا يحتضن ذرية النبي، ويحبهم، ويحتفي بهم، ويجعل لهم مكانة خاصة في وجدانه الشعبي والديني. هذا الامتداد من إدريس إلى إبراهيم، ومن موسى إلى عيسى، وصولًا إلى آل بيت محمد عليهم السلام جميعًا، يُرسّخ في الوعي أن مصر لم تكن يومًا خارج خريطة الاختيار الإلهي، بل في قلبها.
وليس الاختيار الإلهي مجرد قصة تاريخية، بل يمتد إلى حاضر مصر وشعبها. فالمصريون اليوم يواصلون حمل الأمانة عبر أدوارهم البارزة في حفظ السلام على المستوى الإقليمي والدولي، ومساهماتهم في مشروعات التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية، ومواجهة التحديات البيئية والاجتماعية. هذه الأمثلة المعاصرة تثبت أن الاختيار الإلهي ليس إرثًا جامدًا، بل دعوة مستمرة للعمل والمشاركة بفعالية في بناء وطن متين، والحفاظ على دوره الحضاري في المنطقة والعالم.
وحين نقول إن المصريين شعب الله المختار، فنحن لا نزعم أنهم أفضل من غيرهم عند الله لمجرد جنس أو عِرق، ولا أنهم نجوا تلقائيًا من الحساب والجزاء، بل نقصد معنى آخر أعمق: أن هذا الشعب تم اختياره لأصعب الأدوار وأثقل الأمانات عبر التاريخ، وأن أرضه كانت ولا تزال منصة للرسالات، ومختبرًا للعدل، ومسرحًا لصراع الحق مع الطغيان. الاختيار هنا يعني تكليفًا لا ترفًا، ومسؤولية لا غرورًا، ودورًا لا عنصرية.
وإذا كان الله قد اختار هذه الأرض وباركها وجعلها ملتقى لأنبيائه ورسالاته، فإن ما يعيشه المصريون اليوم من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، ليس إلا امتدادًا لسلسلة امتحانات لا تنتهي. أرضٌ اختارها الله لتكون مسرحًا لآياته، وشعبٌ شهد رسالاته الكبرى، لا يمكن أن يُترك للعبث أو التفكك أو الفوضى دون ثمن. هنا يتأكد المعنى الحقيقي لـ«شعب الله المختار»: أن وعي هذا الشعب، وعدله، وخياراته، ومواقفه، ليست شؤونًا محلية ضيقة، بل قضية تتجاوز حدود مصر إلى المنطقة كلها.
والاختيار نعمة… لكن أخطر ما فيها أن يتحول الشعب إلى متفرج على تاريخه، يكتفي بالمشاهدة دون أن يعمل على تغيير واقعه بكل السبل والوسائل العملية والعلمية والثقافية، ودون أن يحافظ على وحدته الداخلية، أو يشارك بجدية في بناء المستقبل، والتصدي للمؤامرات بالوعي والتكاتف. عندها يصبح «شعب الله المختار» مهددًا بأن يفقد دوره التاريخي، لا لأن الله رفع عنه الاختيار، بل لأنه تخلى عن مسؤولية هذا الاختيار. المطلوب اليوم من المصريين أن يدركوا أن مكانتهم عند الله والتاريخ لا تُقاس بالكلام، بل بالمواقف، وأن إرادتهم الحرة ووعيهم وعدلهم هي الامتداد المعاصر لكل تلك الرحلات النبوية التي مرّت بهذه الأرض وباركتها.
نعم… المصريون شعب الله المختار: باختيارات الله لأرضهم، ومرور أنبيائه ورسالاته بها، واستقرار آل بيت نبيه فيها، وبما حمّلهم التاريخ من أمانة ودور. لكن هذا «الاختيار» ليس جواز مرور إلى الجنة، وليس رخصة مفتوحة لارتكاب الأخطاء، بل هو عهد ومسؤولية: أن يظل هذا الشعب واقفًا في صف العدل، محاربًا للفساد، حاميًا لوطنه، مدركًا أن التفريط في رسالته خيانة لا للتاريخ فقط، بل لبركة الاختيار نفسها.
تنويه: هذا المقال جزء من كتابي الجديد «الحضارة التي لم يبتلعها الطوفان».
جميع الحقوق محفوظة للكاتب سيد حسن الأسيوطي.
انتظروا المقال القادم من سلسلة «الحضارة التي لم يبتلعها الطوفان».





